الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

"طوق الحمامة المفقود"... رحلة عشق في فردوس الأندلس المفقود



بطاقة الفيلم:
طوق الحمامة المفقود (1991)
اللغة: العربية
إخراج: ناصر خمير
بطولة: نافين تشاودري ونينار إسبر

"ما من حلمٌ إلا وله مثيل"
كلمات بطل الفيلم حسن هذه لربما لخصت فيلم "طوق الحمامة المفقود" بأكمله، إذ يبدو الفيلم وكأنه حلم طويل عن أميرة ما وحب ضائع في صحارى وحارات الأندلس المفقود. فيلم "طوق الحمامة المفقود" من إخراج المخرج التونسي ناصر خمير، وهو الجزء الثاني من ثلاثية الصحراء والتي تتكون من فيلم "الهائمون"، وفيلمنا هذا، والفيلم الثالث "بابا عزيز". تتناول الأفلام الثلاثة جميعها ثيمة البحث عن شيء ما مفقود أو ضائع، فأبطال فيلم "الهائمون" يبحثون عن الكنز، وبطل فيلم "طوق الحمامة المفقود" يبحث عن ماهيّة الحب، وبطل فيلم "بابا عزيز" في رحلة للبحث عن الذات. سمة البحث المتواصل هذه تغذي القيمة الصحرواية لحب التجوال والمشي الدؤوب، وهي واضحة في ثلاثية الصحراء. أما الشيء الآخر الذي يميز هذه الثلاثية هو ذلك الشبه الكبير بينهم وبين قصص وفانتازيا سلسلة ألف ليلة وليلة، فهناك دائماً عامل الواقعية العجائبية الذي يدمج بين قصص الواقع والخيال والذي أبدع فيه بشكل خاص في عصرنا الحالي الكاتب اللاتيني غابرييل جارسيا ماركيز.
يعود فيلم "طوق الحمامة المفقود" إلى عصر ازدهار الحضارة الإسلامية في الأندلس - إلا أن المشاهد لا يعلم الزمان ولا المكان بشكل تحديدي للقصة -  ويبدأ بمشاهد للشاب حسن وهو يتعلم فن الخط العربي من شيخه، ولكنه ينكفئ على البحث عن مفردات الحب، إذ أنه يعلم أن هناك ست وستون معنى للحب، ما وجد منهم سوى أربعون وأكثر قليلاً. وفي يوم من الأيام يرى حسن وصديقه الصغير "زين" رجلاً يحرق الكتب، فينهره حسن المحب للكتب ولكن يصر الرجل على حرق الكتب "المسمومة". وفي خضم الجدل يهرب الصغير زين بورقة نصف محروقة ويندب الرجل حظ الطفل العاثر لأنه سيتسمم. وبعد ذلك يطلب حسن من زين الورقة المحروقة ويقرأ ما بها ويكررها طوال الفيلم: "الحب، أعزك الله، أوله هزل وآخره جد. في ليلة جائتني رؤيا: جاريتان مسنتان واقفتان وسط حوض فارغ ترشانه بقطرات ماء لعله يرتوي، وعلى حافة الحوض أميرة سمرقند تحدق بعينيها الواسعتين في رمانة حمراء" هذه الكلمات المنطلقة من سطور من كتاب "طوق الحمامة" لإبن حزم الأندلسي هي محور الفيلم ومنها يبدأ حسن رحلة البحث عن الكتاب المكمل لهذه السطور لأنه يجزم أن هذا الكتاب هو الذي سيكشف له معاني الحب.
فيلم "طوق الحمامة المفقود" تحفة بصرية وسمعية بديعة إذ يتمازج إبداع الصورة مع جمال الصوت المتمثل في إثنين: موسيقى الفيلم الذي يأخذك إلى سحر الشرق وعوالم الخيال، وذلك الشجو والغناء الغامض لأميرة سمرقند الذي يتردد طوال الفيلم مذكراً المشاهد بلوعة الحب والفراق. أما بالنسبة لإبداع الصورة فالفيلم لا شك يحمل العديد من الجوانب البصرية الجمالية، لا سيما أن الأحداث في حارات وصحراء الأندلس الجميل. فينتقل المشاهد بين الأزقة الضيقة والمساجد العامرة والمكتبات الصغيرة والحيل الكثيرة التي يقوم بها الباعة لجذب أنظار الناس إليهم، من قبيل بائع العطر ذاك الذي اتخذ من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "وأنا حُبب إلي من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة" وسيلة ترويجية لبضاعته.
بدءاً من طوق الحمام المفقود المتمثل ربما في رسائل الحمام الزاجل أو في الكتاب نفسه لإبن حزم الأندلسي، ومروراً بوالد الطفل زين الذي لا يعرفه ويبحث عنه واثقاً من مجيئه في يوم ما، وانتهاءاً بمعاني الحب الستين، يبدو أن سمة "الفقد" سمة أساسية في الفيلم. ومع نهايته المفتوحة، يُترك المشاهد ليتسائل: "هل حصلوا على ما يبتغون؟ هل فهم حسن معاني الحب؟ وهل التم شمل الأب بالإبن زين؟ وأميرة سمرقند.. هل توقف غنائها الشجي؟"


وصلات خارجية:
http://www.youtube.com/watch?v=PAjMSH7dQxs
الفيلم كاملاً على اليوتيوب..

______

نُشر المقال في جريدة الرؤية صفحة سينما بتاريخ 26 يونيو، 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق