الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

"كليو".. هل يشفع الجمال أمام الموت المتربص؟!


بطاقة الفيلم:
كليو من الساعة الخامسة إلى السابعة (1962)
اللغة: الفرنسية
إخراج: آنيس فاردا
بطولة: كورين مارتشاند، آنطوان بورسيلير، دومينيك دافري

تنعم بكل مظاهر الرفاهية والترف، قبعة من صوف، سرير فاخر بوسائد من ريش، قطط مدللة، أرجوحة معلقة في غرفتها.. هي المغنية الفرنسية الشهيرة كليوباترا فيكتوري، "كليو" اختصاراً. وهي من تحدث نفسها في المرآة: "القبح نوع من أنواع الموت" ثم تبتسم فخراً لأنها جميلة، إذاً هي لن تموت.
فيلم "كليو من الساعة الخامسة إلى السابعة" من إخراج المخرجة الفرنسية آنيس فاردا، وهي تُعتبر من روّاد الموجة الفرنسية الجديدة – جنباً إلى جنب مع جان لوك جودار وفرانسوا تروفو وغيرهم – والتي جاءت تمرداً على كلاسيكيات السينما السردية بتكنيكات راديكالية في الإخراج، والتنفيذ، وطريقة السرد التي تفضي بالعادة إلى نهاية مفتوحة بأسئلة من غير أجوبة.
تصوّر لنا آنيس فاردا حياة كليو خلال ساعة ونصف قبل أن تعلم نتائج اختبار طبي لمرض السرطان أجري لها قبل مدة ، فهي تزور عرّافة لتقرأ لها مستقبلها، ثم تتجول في شوارع باريس تشرب القهوة وتندب حظها، ثم تقرر شراء قبعة من صوف بعدما جربت أنواع القبعات المختلفة، وتتدرب على أغنية جديدة لها مع صديقها كاتب الكلمات، وتلتقي بحبيبها ثم صديقتها، وتتحدث مع سائق التاكسي... هو فيلم مغرق بالتفاصيل خلال ساعة ونصف من حياة كليو، فهو لا يستخدم الزمن الافتراضي المسرّع مثل معظم الأفلام، بل يستخدم الزمن الحقيقي – فساعة ونصف من حياة كليو يقابله ساعة ونصف من مدة الفيلم.
يناقش الفيلم ثيمات حول فلسفة الوجود والفناء ومعنى الحياة، ويصور كل ذلك عبر أحاديث كليو مع نفسها أو مع الناس من حولها، أو حتى باستخدام بعض التكنيكات البصرية في الإخراج. فمثلاً، المرايا صورة بصرية رمزية تتكرر كثيراً طوال الفيلم، المرايا التي تعكس وجه كليو وشعرها وعينيها – إذ أننا نرى مجمل الفيلم من وجهة نظر كليو الشخصية البحتة. تكرار استخدام المرايا في أكثر من مشهد يكرس مفهومين، النرجسية وفهم الذات، وأظن أن المشاهد الأولية من الفيلم هي مشاهد لنرجسية كليو، في حين أن المشاهد الأخيرة هي في فهم الذات وتقبل مصيرها. وهذا هو التغيير الذي يطرأ على شخصية كليو من بداية الفيلم إلى نهايته، فهي تمر بعدة أمور في مجريات الفيلم مما يدفعها إلى تغيير طريقة تفكيرها من النرجسية والاستعلاء والسطحية إلى قهم أعمق لمعنى الحياة. وفي مشهد البداية، وهو مشهد بالغ الأهمية، حيث تذهب كليو إلى العرافة لتقرأ لها مستقبلها، يتم تصوير بطاقات اللعب التي تستخدمهم العرافة للتنبؤ بمستقبل كليو بالألوان، وحين تغير عدسة الكاميرا اتجاهها لتصور كليو بدلاً عن البطاقات مثلاً، ترجع الصورة بالأسود والأبيض. فمشهد البطاقات هو المشهد الملون الوحيد في الفيلم بأكمله – مما قد يعطي انطباعاً بأهمية القضاء والقدر، فالبطاقات تمثل المستقبل المرسوم والمكتوب مسبقاً.
تحاول كليو عبثاً الارتباط بمحيطها ومحاولة إيجاد من قد يفهمها، فبين مساعدتها التي تؤدي دورها في مواساتها ببرود، وحبيبها الذي يأتي لملاقاتها نادراً، وصديقتها التي تحبها ولكنها مأخوذة بمشاغل حياتها الخاصة – لا تدخل كليو في أي حوار حقيقي سوى في المشاهد الأخيرة للفيلم حين تلتقي بـ"آنطوان" ذلك الجندي الغريب في الحديقة، فكلاهما خائف من المستقبل، كليو من النتائج الطبية لتشخيص مرضها، وآنطوان من الرجوع إلى الجزائر لتأدية دوره كجندي في الحرب. كلاهما بطريقة ما، يقلقهما هاجس الموت، بمرض أو برصاصة. إذاً هل سيشفع لكليو جمالها أمام مرض السرطان؟ هل صوتها الشجي سيحميها من براثن المرض؟ أو ربما لو أعدنا صياغة السؤال بشكل آخر ونقول: هل تستطيع كليو التغلب على المرض بتحكمها في طريقة نظرتها للأمور؟ ربما لن نعلم ذلك أبداً، تماماً كجهلنا لمسار حياتنا وما قد يواجهنا طوال هذه الرحلة الطويلة، وما علينا سوى الثقة والمضي والحركة دوماً، ما علينا سوى محاولات متكررة لعدم التوقف.


وصلات خارجية:
http://www.youtube.com/watch?=1&v=JBxTVOxXSDA
أحد المشاهد الموسيقية في الفيلم..
_________

نُشر المقال في صفحة سينما، جريدة الرؤية، بتاريخ 7 أغسطس، 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق