الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

"إنها لحياة رائعة".. على هذه الأرض ما يستحق الحياة!


بطاقة الفيلم:
إنها لحياة رائعة (1946)
اللغة: الإنجليزية
إخراج: فرانك كابرا
بطولة: جيمس ستيوارت، دونا ريد
الجوائز والترشيحات: رشح لخمس جوائز أوسكار، وفاز بجائزة الكرة الذهبية لأفضل فيلم.
"ألا يبعث على الدهشة أن حياة إنسان واحد تمس العديد من الناس حوله؟ وعندما يغيب، فإنه يترك أثراً لا يُمحى، أليس كذلك؟" هذه الكلمات التي نطقها الملاك كلارينس ربما تلخص فيلم "إنها لحياة رائعة" الذي يعتبر من تلك الأفلام التي كلما شاهدتها أكثر، كلما أحببتها أكثر. هو فيلم لا يموت ولا يُمل منه لأنه ببساطة يحمل معاني عميقة عن الحياة تصلح لكل الأجيال وكل الأعمار. ربما تتلخص هذه المعاني في الحقيقة الواحدة التالية: وهي أن جميع البشر، بشكل أو بآخر، ومهما ارتفع أو قل شأننا ومالنا وعملنا، جميعنا لدينا القدرة على إحداث التغيير الإيجابي في محيطنا. قد لا ندرك ذلك، ولكن هي أفعالنا الصغيرة وكلماتنا البسيطة التي تستطيع إحداث التغيير. الفيلم يرد على ذلك السؤال الذي طالما تردد على لسان الكثير من الناس: "كيف سيكون العالم لو لم أكن موجودا؟"
أراد طيلة سنين شبابه أن يخرج من مدينة بيدفورد فولز الصغيرة ليرى العالم من حوله، ليغامر ويعيش حيوات كثيرة، ولكن يمتنع بطل الفيلم جورج بيلي عن السفر لسبب أو آخر، مثل التزاماته العائلية ووظيفته في مؤسسة للقروض ورثها عن أبيه. ما لا يدركه جورج بيلي في لحظة يأس أن حياته رغم رتابتها وهدوءها قد أثرت على حياة الكثيرون من حوله – وهذا ما دعى الرب إلى إرسال الملاك كلارينس إلى جورج بيلي ليريه كيف كانت ستكون الحياة في تلك المدينة لو لم يلد.
يبدأ الفيلم بمشهد لطيف لأطفال جورج بيلي وهم يدعون الله أن يعين أباهم على تحمل مصابه، ثم ينتقل الفيلم إلى السماوات العليا حيث يقرر الملكين فرانكلين وجوزف أن يعيّنا الملاك كلارينس لإنقاذ جورج من الإقدام على الإنتحار، وحتى يتعرف كلارينس على جورج بيلي أكثر، يستعرض الملكين عليه شريط حياته. وهكذا يتعرف المشاهد على جورج بيلي الصغير الذي أنقذ أخاه الأصغر من الغرق وفقد نتيجة لذلك حاسة السمع في إحدى أذنيه، وعلى جورج بيلي الشاب الذي تمنى الدراسة في الخارج والتجوال حول العالم ولكنه يعطي هذه الفرصة لأخيه بدلاً منه، وعلى جورج بيلي زوج ماري وأب لثلاث أطفال ومالك مؤسسة قروض لإعمار المنازل.
يصف مخرج الفيلم فرانك كابرا هذا الفيلم بأنه الأقرب إلى قلبه، وكذلك جيمس ستيوارت يصف دوره في الفيلم بأنه أهم دور قدمه في حياته، وذلك مفهوم حين نرى الرسالة العظيمة والملهمة التي يحملها الفيلم بين ثنياته، وأكاد أجزم وأقول أن كل من شاهده، فهو على أقل تقدير يدخل ضمن قائمته الشخصية لأفضل 20 فيلم شاهده في حياته. ما يميز هذا الفيلم ويجعل كل من شاهده يحبه هو قدرته المذهلة على استخراج كل ما فينا من المشاعر المتناقضة، ففي المشهد الذي يقع فيه جورج بيلي وماري هاتش في حوض السباحة وهما يرقصان معا سنضحك كثيراً، وفي المشهد الذي يضرب فيه الصيدلاني جورج بيلي الصغير قد نبكي أو نشعر بالشفقة عليه، وفي مشهد آخر سنبكي فرحاً من التأثر. بعض المشاهد قد تكون مملة بعض الشيء في حين أن بعضها الآخر مثيرة إلى درجة أنك ستتحدث مع نفسك ترقباً لما قد يحدث، فهو بالفعل يأخذك في جولة مدهشة من المشاعر المختلطة. أما الذي ساعد في إثراء هذه الجولة بالإضافة إلى السيناريو المدهش فهو حتماً تمثيل جيمس ستيوارت الذي أدى دور جورج بيلي بجميع تجلياته وحالاته النفسية، فنحن نرى جورج الشاب المفعم بالحياة والمرح، وجورج البائس المقدم على الانتحار، وجورج المضحك والمشاغب، وجورج الغيور على أبيه، وجورج الرومانسي والحالم، كل ذلك في قالب بديع من شخصية جورج الإنسان الذي يحبه الجميع، إلى أن أصبح جورج بيلي إحدى الشخصيات التي تلهمني لإنسانيتها، جنباً إلى جنب مع شخصيات حقيقية أخرى كغاندي وتشي جيفارا وإدوارد سعيد وغسان كنفاني وغيرهم.
 عندما انتهيت من مشاهدة فيلم "إنها لحياة رائعة" لأول مرة، انتابتني نوبة امتنان عظيمة فكتبت أشكر أصدقائي على وجودهم في حياتي، أشكر الله على نعمه وأحمده، وأتفكر في نفسي وما فعلت وما قدمت في حياتي وفيما إذا كان لي أثر إيجابي أم لا. احتواء الفيلم على كل هذه القيم الجمالية تجعلنا نهب إلى فعل تلك الأشياء الصغيرة التي تسعد الناس حولنا وإن كانت بسيطة إلا أنها تترك أثراً طيباً، هو حتماً يلهمنا بأن نقدّر كل الأشياء الجميلة: "تردد إبريل، رائحة الخبز في الفجر، آراء امرأة في الرجال، كتابات أسخيليوس، أول الحب، عشب على حجر، أمهات تقفن على خيط ناي، وخوف الغزاة من الذكريات" كما ينشد محمود درويش في رائعته وننشدها نحن دوماً كلما غمرنا الإحباط "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".


وصلات خارجية:
http://www.youtube.com/watch?v=IQoXV6oCzsQ
الفيلم كاملاً لمن يود مشاهدته..
______

نُشر المقال في صفحة سينما، جريدة الرؤية بتاريخ 1 أغسطس، 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق