الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

"سارق الدراجة".. الفرح المختلس في زحمة القلق والضياع


بطاقة الفيلم:
سارق الدراجة (1948)
اللغة: الإيطالية
إخراج: فيتوريو دي سيكا
بطولة: لامبيرتو ماجيوراني وإينزو ستايولا
الجوائز والترشيحات: حاز على جائزة أوسكار فخرية عن فئة أفضل فيلم أجنبي، وفاز أيضاً بجوائز عالمية عدة مثل جائزة البافتا وجائزة الكرة الذهبية، والجائزة المميزة لهيئة المحلفين في مهرجان لوكارنو العالمي، وغيرها من الجوائز والترشيحات.

هو دائماً حاضر في قوائم أفضل فيلم لجميع محبي الأفلام والنقاد السينمائيين، وقد حصد على جوائز عالمية عديدة من بينها جائزة الأوسكار الفخرية، ويُعتبر من أبرز ما قدمته السينما الإيطالية متمثلة في المدرسة الواقعية الجديدة، كل هذا بقصة من أبسط ما يكون: رجل يجول في أنحاء روما مع ابنه الصغير باحثاً عن دراجته المسروقة ليضمن عمله. ما الذي يجعل هذا الفيلم استثنائياً؟!
فيلم "سارق الدراجة" من إخراج فيتوريو دي سيكا، رائد المدرسة الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية. انتشرت المدرسة الواقعية الجديدة في أنحاء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية ولكنها شكلت نجاحاً ملموساً في إيطاليا بالذات وقد نالت شهرتها العالمية على يد عدد من المخرجين الإيطاليين البارزين من أمثال لوتشانو فيسكونتي وفيتوريو دي سيكا وبازوليني وروسيليني وغيرهم. وقد جاءت كردة فعل على آثار الحرب الاجتماعية والنفسية المدمرة في إيطاليا وهدفها الرئيسي هو إبراز معاناة الشعب والطبقات الفقيرة في المجتمع. تقوم المدرسة على عنصرين مهمين في الإنتاج، وهما: التصوير في الشوارع والأحياء الفقيرة بدون استخدام الاستوديو (وقد كان ذلك في البدء بسبب خراب الاستوديوهات السينمائية بعد الحرب)، واستخدام طاقم تمثيلي غير محترف، وهذا ما نراه في الفيلم حيث أن الممثل الرئيسي الذي يقوم بدور الأب الباحث عن دراجته المسروقة لامبيرتو ماجيوراني هو في الحقيقة عامل مصنع، والتي تقوم بدور زوجته هي صحفية أرادت عمل مقابلة مع فيتوريو دي سيكا، والولد الصغير الذي يقوم بدور الإبن تم اختياره من بين حشد من الصيبة تجمعوا في الشارع لمشاهدة تصوير الفيلم – وهذا أحد عوامل الدهشة في الفيلم لأن تمثيل الأب والإبن متقن ومقنع حد الإعجاب.
يفتتح الفيلم بمشهد لمنادٍ في شوارع روما يعرض عملاً وتجمع حشد من الباحثين عن عمل حوله. يقول المنادي أنه لديه حالياً عمل واحد فقط وهو توزيع ملصقات في شوارع روما، والمتطلب الوحيد لهذا العمل هو أن يكون لدى المتقدم دراجة. فيصرخ بطلنا آنطونيو ريتشي "أنا لدي دراجة"، ويُقبل للوظيفة. ولكن دراجته في الحقيقة مرهونة، وعندما يرجع إلى المنزل ويخبر زوجته ماريا، تقرر ماريا أن ترهن شراشف الأسرة في مقابل الدراجة، وبالفعل يذهبان معاً إلى المسترهن وهناك يرى المشاهد إحدى المشاهد القوية في الفيلم – غرفة بها رفوف طويلة مكدسة بالملاءات والشراشف المرهونة. كم عائلة رأت أن الشراشف من الكماليات فوضعته في الرهن مقابل الطعام؟ وهكذا يذهب ريتشي إلى أول يوم عمل ليلصق الملصقات في جدران روما، ولكن تُسرق دراجته أثناء عمله وتبدأ رحلته في أرجاء المدينة بحثاً عن سارق الدراجة.
فيلم "سارق الدراجة" مليء باللحظات الحميمية التي تمس المشاهد وتجعله يتفاعل مع الفيلم بشكل كبير، فتراه مرة يضحك ومرة يبكي، وفي كل الأحوال فهو يشاهد الفيلم قلباً وروحاً ويظهر كافة أنواع المشاعر المختلفة – وهذا من سحر الفيلم الذي جعله محبباً للجميع. في إحدى المشاهد، وفي لحظة يأس انتابت الأب وابنه، يقول الأب لابنه: "ستعيش وتتعذب... أتريد قطعة بيتزا؟!" فيقرران معاً الذهاب إلى مطعم لأكل البيتزا والتلذذ به. يقرب الابن قطعة البيتزا إلى فمه، ويقضمها، ثم يسحبها فيتكون خيط من جبنة الموتزاريلا بين فمه وقطعة البيتزا، والذي يتلذذ الإبن بسحبه ببطء. هذا المشهد هو أحد أجمل مشاهد الفيلم في تصويرها والفكرة وراءها، فها هو الأب في قمة حزنه ويأسه وقد فقد الشيء الوحيد الذي يضمن له عمله وبالتالي توفيره للقمة العيش لابنه وزوجته ولكنه لا يتردد في توفير لحظة فرح وحيدة وصادقة مع ابنه. يبحث الأب عن الدراجة في أغلب مشاهد الفيلم بصحبة ابنه، وهذا يكوّن لدى المشاهد تصور حول علاقة الإثنين ببعضهما، فكل ابن في عمر بطلنا الصغير برونو يرى أباه بنظرة الحامي وصاحب القوى الخارقة والذي يستطيع أن يفعل أي شيء لإسعاده، ولكن برونو يكتشف مع تقدم الفيلم عجز أباه وقلة حيلته، وهذا اكتشاف مروع وصادم لكل الأطفال، ولكنه ما يريد المخرج فيتيوريو دي سيكا إبرازه من خلال هذا الفيلم، وهو كدح الطبقات الفقيرة وتصادم المفاهيم عندهم بالمقارنة مع المفاهيم النمطية للمجتمعات المتوسطة أو الغنية. لن أذكر بالطبع تفاصيل المشهد النهائي، ولكن يكفي أن أقول أنه من بين أكثر المشاهد التي احتلت مساحة من تفكيري لأيام بعد مشاهدة الفيلم، وإن لم يحتوي الفيلم على أي مشهد آخر لكفاه. بالإضافة إلى عمق معاني الفيلم، فإن موسيقاه تضفي جمالاً من نوع آخر إلى الفيلم، هي أيضاً من بين العناصر التي لا تُنسى.
دراجة ووظيفة: شيئين ربما لن نستطيع الربط بينهما، وصراع ربما لن يفهمه الكثير، ولكن هذا من بين مهام السينما، وقد نجح فيتيوريو دي سيكا نجاحاً مبهراً في إبراز ذلك، والدليل على ذلك هو استمرار وجود الفيلم بين قوائم أفضل الأفلام التي صنعت على مدى التاريخ سواء بين النقاد أو هواة الأفلام أو حتى صانعي الأفلام، ولا ريب من ذلك لأنه يمس روح الإنسان وقلبه في كل العصور ولكل الأعمار.


وصلات خارجية:
http://www.youtube.com/watch?v=jlhZbZy-jq0
موسيقى الفيلم مع بعض لقطات الفيلم..

_____________

نُشر المقال في صفحة سينما، جريدة الرؤية، بتاريخ 18 سبتمبر، 2012

هناك تعليق واحد: