الخميس، 7 مايو 2015

عن السينما الثالثة


تحدثت الحلقة العاشرة من مسلسل "قصة الأفلام: أوديسة" عن أهم المخرجين حول العالم في السبعينيات، ومن ضمن ذلك تم ذكر إحدى أهم المقالات السينمائية التنظيرية لسينما العالم الثالث وأفلام ما بعد الاستعمار.
المقالة هي "نحو سينما ثالثة" للكاتبين الأرجنتيين فرناندو سولاناس وأوكتافيو جيتينو، وتعتبر المقالة مانيفستو لأفلام العالم الثالث، والسينما اللاتينية بشكل خاص، ولها أثرها أيضاً على السينما الإفريقية وتحديداً على المخرج السنغالي الشهير عثمان سيمبيني. تدعو المقالة إلى سينما مناضلة ومعارضة للإمبرالية الأوروبية والأمريكية بحيث تلعب دوراً أساسياً في الصراع والتحرير الوطني ضد الاستعمار وتمتد لمحاربة الفقر والظلم. يرى سولاناس وجيتينو أن الأفلام الهوليوودية والأوروبية هي عبارة عن أساليب تعبيرية للفردانية البرجوازية فدعو عوضاً عن ذلك إلى سينما سياسية تنهض بالوعي العام. قسموا الأفلام العالمية إلى ثلاثة أقسام: سينما أولى هي سينما التسلية التجارية متمثلة غالباً في هوليوود، وسينما ثانية والتي تعتبر فردانية وتعبيرية وفنية متمثلة غالباً في السينما الأوروبية لمخرجين مثل غودار وبرغمان وفيلليني، وسينما ثالثة وهي سينما سياسية ثورية تتحدث عن الهوية الجمعية لبلدان ما بعد الاستعمار.
وهناك أيضاً مقالة أخرى مهمة غير مذكورة في المسلسل، وهي "جماليات الجوع" لغلوبير روكا والتي دعت إلى سينما 'جائعة وقبيحة' تصور الفقر في الأحياء. هذه السينما يجب أن تكون معيبة تقنياً، وبمشاهد غير متناغمة، وثورية، وشاعرية. يعتبر روكا من أهم المخرجين البرازيليين لحركة "سينما نوفو" والتي صوّرت 'جماليات الجوع' في البرازيل.

للمهتمين بقراءة مقالة سولاناس وجيتينو:
https://ufsinfronteradotcom.files.wordpress.com/2011/05/tercer-cine-getino-solonas-19691.pdf

"تورليس الشاب"

شاهدتُ الفيلم الألماني "تورليس الشاب" للمخرج فولكر شلوندورف صاحب الفيلم الشهير "طبل الصفيح" المقتبس عن رواية غونتر غراس.
يعتبر فيلم "تورليس الشاب" أول فيلم ينتمي لحركة السينما الألمانية الجديدة التي أصبحت في السبعينيات والثمانينات من أهم الحركات السينمائية في العالم، ومن أهم مخرجيها راينر فرنر فاسبيندر وفيرنر هتزوج وفيم فندرز. بداية الحركة كانت عام ١٩٦٢ في مهرجان للأفلام في غرب ألمانيا حيث نادى ٢٦ مخرجاً وناقداً لسينما ألمانية جديدة مختلفة عن "أفلام الأنقاض" التي انتشرت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية والتي صورتها في حالة دمار ومختلفة أيضاً عن السينما الترفيهية التي كانت موجهة للجماهير بهدف نسيان الهزيمة. هؤلاء المخرجون الشباب الذين لم يعاصروا كل ويلات الحرب بل جزء منها ورأوا أن ألمانيا تأثرت بالإمبريالية الأمريكية خصوصاً بعد نهضتها الإقتصادية شعروا بشيء من الغربة السايكولوجية والثقافية وحاولوا لذلك تصوير هذه الغربة في أفلامهم.
أخذاً في الاعتبار هذا التاريخ المهم لفهم أفلام السينما الألمانية الجديدة، يمكن القول أن فيلم "تورليس الشاب" يعتبر استعارة لحالة ألمانيا قبل الحرب. يتحدث الفيلم عن شاب اسمه تورليس في مدرسة داخلية في بدايات القرن العشرين حيث يصادق شابين آخرين. يتميز تورليس بفكر متقد وفلسفة فريدة تجعله مختلفاً ومنعزلاً عن زملائه حيث يفضل التفكير في مسببات الأمور عن المشاركة الفعلية ويشعر بالإشمئزاز من كل ما يجده الآخرون طبيعياً - مثلما كتب في مذكراته. يكتشف زميله أن زميل آخر لهم، اسمه بازيني، سرق منه مبلغاً من المال فيهدده إما أن يخبر مدير المدرسة الصارم والذي سيطرده أو أن ينفذ كل أوامره وطلباته. بالطبع، يفضل بازيني ألا يخبروا مدير المدرسة فيقع ضحية لساديتهم وقسوتهم حيث يعذبونه ويذلونه نفسياً وجسدياً وجنسياً. يبرر زميل تورليس هذه القسوة ويقول: "لكي تتسامى عن هذا العالم، يجب عليك أن تقتل كل ما يجعلك عبداً له. المشاعر على سبيل المثال. سأشعر بالشفقة حتماً حين أعذب بازيني ولكن ذلك غير ملائم لأن بازيني إنسان غير مهم ومن يفعل مثل فعلته لا قيمة له. إذاً الشفقة في هذه الحالة هو شعور غير منطقي، وأنا أنوي قتل كل هذه المشاعر المفرطة بي". تورليس، والذي يشهد تعذيب بازيني من غير مشاركة أو تنديد، مهتم أكثر بالأسباب التي أدت بازيني إلى قبول هذا الذل والأسباب التي جعلت زملائه يستلذوا بالتعذيب. يستخلص تورليس من هذه الحادثة أن ما يبدو صادماً وسادياً وغير منطقي من بعيد يحدث هكذا بكل بساطة وطبيعية وأن الإنسان يجب أن يكون حذراً وعلى يقظة دائمة لكي لا يصبح ضحية للقسوة أو مشاركاً بها.
هذا الفيلم الذي يصور لنا حالة ألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى يؤكد أنه لا يمكن الهروب من الماضي، وأن هؤلاء الشباب هم مستقبل ألمانيا، فمنهم المثقف والفيلسوف الصامت الذي يرى الويلات من حوله ويبني نظرياته عليها من غير مشاركة فعلية، ومنهم السادي الذي يريد قتل المشاعرغيرالضرورية فيه، ومنهم أيضاً المهان الذي يفضل قبول الذل عن المقاومة.

Young Törless (1966) by Volker Schlöndorff

أنصح حتماً بمشاهدته. تقييمي ٩/١٠.
وصلة الفيلم على الـ IMDb:

http://www.imdb.com/title/tt0060574/

الأحد، 1 مارس 2015

فيلم "كلوز-أب" أو "عن قرب"



فيلم "كلوز-أب" أو "عن قرب" للمخرج الإيراني القدير عباس كياروستمي من الأفلام القليلة التي تتحدث عن السينما والتي أعجبتني بحق ولامستني بشكل عميق وملهم.
هو فيلم وثائقي يتحدث عن رجل فقير اسمه حسين سابزيان مولع بالسينما وعلى وجه خاص أفلام المخرج الشهير محسن ماخمالباف. كان في الباص يوماً يتصفح سيناريو "راكب الدراجة الهوائية" والذي كتبه ماخمالباف لأجل فيلمه، وجلست بجانبه امرأة سألته عن الكتاب لأنها شاهدت الفيلم هي وابنيها وأعجبهم كثيراً. فقال لها بإمكانك أخذه فقد كتبته أنا، وبدافع الفضول والاستغراب، قالت المرأة هل أنت السيد ماخمالباف؟ فيكذب عليها ويقول نعم.
ومن هنا تبدأ علاقته المزيفة بهذه العائلة الميسورة الحال حيث يزورهم في منزلهم ويدعي أن المنزل مناسب لتصوير فيلمه القادم ويكون علاقة صداقة مع الأبناء الشباب حيث يقنعهم أنهم سيكونون أبطال فيلمه القادم. بعد حوالي أسبوع تكتشف العائلة أنه خدعهم، وتستدعي صحفي يعمل لصحيفة سورش الإيرانية والشرطة التي تعتقله وتودعه السجن لينتظر محاكمته.
يقرأ كياروستمي قصة هذا الرجل عبر صحيفة سورش، ويقرر فوراً وقف عمله الحالي والبدء في تصوير فيلم عنه، فيذهب لزيارة سابزيان في السجن ويسأله عما يستطيع فعله لأجله فيقول: "بإمكانك تصوير فيلم عن معاناتي"، ثم في نهاية اللقاء يوصيه سابزيان بإيصال الرسالة التالية إلى ماخمالباف: "فيلم راكب الدراجة الهوائية جزء مني".
يذهب كياروستمي إلى المحكمة ليطلب إذناً بتصوير جلسة المحاكمة وبتقديم الموعد، فيحصل على ما يريد، ونشهد جلسة المحاكمة الفريدة من نوعها والتي تعرفنا على شخصية سابزيان المهتم بالآداب والفنون والسينما والذي يقتبس في إحدى مشاهد المحكمة من ليو تولستوي دفاعاً عن نفسه! حتى أن كياروستمي نفسه يتدخل أثناء المحاكمة ليسأل سابزيان عن دوافعه ونواياه وحبه للسينما.


المثير والغير اعتيادي في هذا الفيلم الوثائقي هو الدمج بين المشاهد الحقيقية (غير التمثيلية) مثل المحاكمة والمشهد الأخير في الفيلم حين يلتقي سابزيان بماخمالباف - وهو مشهد جليل وعظيم - وإعادة تمثيل المشاهد التي حدثت قبل ذلك من قبل نفس الأشخاص - فمشهد لقاء سابزيان بالسيدة من عائلة آهانخاه في الباص على سبيل المثال هو مشهد تمثيلي. كل الأصالة والإبداع يكمن في هذا الكسر بين التوثيق والتمثيل والذي أدى إلى فيلم مدهش ليس فقط من ناحية الإخراج بل وحتى من ناحية القصة الإنسانية الملهمة التي تغطي مواضيع الهوية والفقر وحب السينما. حلل البعض الفيلم على أنه يرمز إلى أزمة ضياع الهوية الإيرانية والبحث عنها بعد الثورة وإثر الحرب مع العراق، وفي لقاء لاحق مع كياروستمي، لم ينكر أن الفيلم قد يعني ذلك ولكنه ذكر أيضاً أنه لم يكن واعياً بذلك أثناء تصوير الفيلم.

أنهي باقتباس من سابزيان أثناء المحكمة يلخص مدى جمال هذا الفيلم:

"في كل مرة أشعر فيها بالحزن في السجن أتذكر هذه الآية من القرآن "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" ولكني لا أشعر بالسلوى. كلما شعرت بالحزن والقهر أشعر برغبة بالصراخ للعالم حول معاناة روحي وكل العذابات والأحزان التي اختبرتها في حياتي - ولكن لا أحد يريد سماع ذلك. ثم يأتي رجل طيب ويصور كل عذاباتي في أفلامه بحيث أستطيع مشاهدتهم مرة تلو الأخرى، يصور الوجوه الشريرة التي تتلاعب بحياة الآخرين، الأغنياء الذين لا يكترثون لاحتياجات الفقير البسيطة. ولذلك شعرت بالاضطرار للتخفيف عن نفسي عبر قراءة ذلك السيناريو [يقصد سيناريو فيلم "راكب الدراجة الهوائية" لماخمالباف] أقرأه ليطمئن قلبي"




تقييمي 10/10 ، وصلة الفيلم على الـIMDb:
http://www.imdb.com/title/tt0100234/

الأحد، 22 فبراير 2015

روما، المدينة المفتوحة



فيلم "روما، المدينة المفتوحة" للمخرج الإيطالي روبرتو روسيليني من أوائل الأفلام للمدرسة الواقعية الإيطالية الجديدة والذي يحكي قصة المقاومة الإيطالية الشيوعية ضد النازية أثناء الاحتلال الألماني لإيطاليا.
تم تصوير الفيلم بعد أسابيع قليلة من تحرير روما وأتت معظم مشاهده في شوارع روما من غير استخدام استوديوهات تصويرية مجهزة - وذلك بسبب تدميرهم أثناء الحرب - وقد أدى ذلك إلى إبراز الصورة الحقيقية للمدينة والمباني ومشاعر الناس بعد الحرب، كما أن المثير أن روسيليني قام بتصويره كفيلم صامت في البداية ثم قام بدبلجة أصوات الممثلين أثناء عملية المونتاج، وذلك لغرض السرعة في إنتاج الفيلم. يحتوي الطاقم التمثيلي على مجموعة بسيطة محترفة، وأما بقية الممثلين فكلهم غير محترفين - وقد أصبحت هذه الخاصية من أهم خواص المدرسة الواقعية الإيطالية الجديدة بعد هذا الفيلم.
يحكي الفيلم قصة زعيم المقاومة الشيوعية جيورجيو مانفريدي الذي يكتشف الجستابو (الشرطة السرية النازية) مقر إقامته ويقومون بعملية واسعة للبحث عنه، ولكن صديقه فرانشيسكو وخطيبته بينا والقس الكاثوليكي دون بييترو يقومون بمساعدته وإخفاءه - ولكن ذلك لا يستمر طويلاً إذ يتمكن الجستابو من القبض على مانفريدي ودون بييترو، ولن أفسد بقية تفاصيل الفيلم على القارئ الذي قد يرغب بمشاهدته.
رغم أن الفيلم ليس مقتبساً بشكل مباشر عن قصة حقيقية إلا أن الكثير من الأحداث في الفيلم حدثت بالفعل في الواقع، حتى أن من شاهدوا الفيلم حين صدوره عام 1945 ظنوا أنهم يشاهدون تسجيلاً لأحداث حقيقية. تكمن أهميته في كونه تأريخاً مهماً لفترة الاحتلال النازي لايطاليا خصوصاً مع تصويره الواقعي وحسه الوثائقي كما أن مشاهدته مثرية من الناحية السينمائية إذ نرى الإمكانية الواسعة للسينما وهدفها الإنساني الراقي رغم المعدات المحدودة والظروف الصعبة والتحديات العديدة.


تقييمي للفيلم 9\10
وصلة الفيلم على الـ IMDb:
http://www.imdb.com/title/tt0038890/

الأحد، 15 فبراير 2015

المدرعة بوتمكين



بعد الثورة البلشفية في روسيا عام ١٩١٧ بقيادة فلاديمير لينين، كان الإتحاد السوفييتي منشق بين حرب أهلية بين الجيش الأحمر والجيش الأبيض والحرب العالمية الأولى ومجاعات وانهيار اقتصادي. كل ذلك أدى إلى حالة من الفوضى ولذا لجأ القادة البولشفيين إلى طرق مختلفة لجمع الشعب الذي كان أغلبه أمياً ومنقسم إلى عدة لغات مختلفة. من بين أهم الطرق التي اتخذوها هي الأفلام، فهي في النهاية أفلام صامتة ولا تحتاج إلى المعرفة لفهمها (في تلك الفترة طبعاً)، حتى أن لينين قال: "السينما بالنسبة لنا هي أهم نوع من الفنون". ذلك أدى بالطبع إلى إنتاج عدد كبير من أفلام البروباجاندا لعل من أهمها وأبرزها فيلم "المدرعة بوتمكين" والذي بالإضافة إلى اعتباره فيلم بروباجاندا فهو أيضاً من الأفلام الرائدة في المونتاج السينمائي. من أشهر المقاطع في الفيلم هو مقطع "مدرجات أوديسا":
http://youtu.be/laJ_1P-Py2k

مقطع ثوري في الإنتاج السينمائي من نواحي مختلفة. سيرجي آيزنستاين من أهم المخرجين السوفيتيين من المدرسة البنيوية السينمائية والمهتمة بالمونتاج بشكل خاص. مشاهدة الفيلم ضرورة لكل عاشق سينمائي.

الخميس، 29 يناير 2015

مقتطف من فيلم "أنا كوبا" وهواجس أخرى

لستُ متأكدة إن كان صمتي عن المآسي العربية خير أو شر.
أعيش معضلة حقيقية بشأن جدوى الكلمات، علاقة حب وكراهية في آن. ففي أقصى الطرف المحب، يهيأ لي أن الكلمات هي الجوهر والحل والحقيقة، وعلى الطرف الآخر أتخيل أنها مجرد أحرف مبعثرة لا توقف قنبلة أو تنقذ حياة. كلما هممت بكتابة شيء ما، أو وصف هول المجازر، أو شرح حالتي الشعورية الغاضبة والحزينة، أتوقف في المنتصف ليباغتني السؤال ساخراً مني ومن قلمي، وكلما ابتعدت عن القلم أتاني راكضاً ولاهثاً في ذهني يغذيه بتخيلات حالمة عن جدواه وقدرته.
قرأت اليوم تعليقاً لإحداهن، تقول فيما معناه أن دموع الأطفال قد أثقلت الأرض، وجعلتها تحوقل وتتحسب على كل متخاذل وجبان، وأتسائل، هل تكفي فعلاً إعلانات التضامن ونشر صور القتلى؟ ألا نعتبر نحن أيضاً متخاذلون؟

أتذكر اقتباساً أنقله من أحد أجمل الأفلام التي شاهدتها، "أنا كوبا" للمخرج السوفييتي ميكايل كالوتوزوف.



تقول الراوية، والتي تمثل صوت الوطن:

محدثة أحد المستعمرين:
"أنا كوبا
لماذا تفر هارباً؟ ألم تأتِ هنا لأجل المتعة؟
هيا تفضل، واستمتع!
أليست هذه صورة جميلة؟
لا تشح ببصرك عني. انظر!
أنا كوبا
بالنسبة لك، أنا الكازينو والبار والفندق وبيت الدعارة.
لكن أيادي هؤلاء الأطفال المتسولون والشيوخ هي أنا أيضاً."

محدثة فلاح اختار كرامته وموته على عبوديته:
"أنا كوبا
أحياناً تبدو جذوع نخيلي ممتلئة بالدم
أحياناً تبدو الهمهمات من حولي كغصات الدموع المختنقة وتنهدات البكاء
وليست صوت المحيط
من يجيب نداء الدم؟
من المسؤول عن هذه الدموع؟"

محدثة مجموعة من الطلبة الثوار:
"أنا كوبا
هنالك طريقين للبشر عندما يولدون
طريق العبودية والذي سيتداعى وينتهي
وطريق النجوم الذي يضيء ولكنه يحرق.
وأنت ستختار طريق النجوم
سيكون طريقك صعباً، وعلامته الفارقة الدم
ولكن في سبيل العدالة، عندما يذهب رجل واحد، الآلاف سينهضون
وعندما لا يكون هناك بشر آخرون
ساعتها سينهض الحجر."

محدثة فلاح بسيط اختار أخيراً أن يحمل السلاح:
"أنا كوبا
ربما اعتادت يداك على أدوات الفلاحة
ولكنك الآن تحمل بندقية
أنت لا تطلق النار لتقتل
أنت تطلق النار على الماضي
أنت تطلق النار لتحمي المستقبل"

إذاً تتغير الأسماء والأوطان والحكاية واحدة، لم نحن مصرون على تكرار أخطاء التاريخ؟

____

نُشر في الفيسبوك بتاريخ 14 يوليو 2014

السبت، 24 يناير 2015

فيسبوك - "سنسيت بوليفار"



شاهدتُ قبل عدة أسابيع الفيلم الأمريكي "سنسيت بوليفار" للمخرج بيلي وايلدر، وأعتبره من أجمل الأفلام الهوليوودية الكلاسيكية التي شاهدتها.

ينتمي الفيلم إلى جانرا فيلم نوار والذي ازدهر في هوليوود في فترة الأربعينيات والخمسينيات ويتميز بالحبكة الجرائمية عادة ووجود نموذجي الرجل المحقق والمرأة الجذابة والمدمرة (فيم فاتال)، كما لها خواص محددة في الإضاءة والإنتاج والبنية القصصية.

يبدأ الفيلم بصورة تحتية لرجل ميت في حوض سباحة، مصورة من قاع الحوض، ويحكي لنا الراوي/الميت جو غيليس عن الأحداث التي أدت إلى وفاته بهذه الطريقة!
(بالإمكان مشاهدة افتتاحية الفيلم هنا: https://www.youtube.com/watch?v=HduXGYkoc_w )
وبذلك يعود الفيلم إلى الوراء باستعمال تقنية الفلاش باك ونرى جو غيليس قبل ستة أشهر وهو يعمل ككاتب سيناريو مغمور في هوليوود، ومدان ومطارد من قبل دائنيه الذين هددوه بأخذ سيارته. في إحدى سلسلة المطاردات، يدخل غيليس في محاولة للهرب إلى باحة قصر بدا له لأول وهلة أنه غير مأهول، ولكن يستقبله الخادم ماكس والذي ظن أنه شخص آخر كان يتوقعه ويقوم بتقديمه لسيدة المنزل، نورما ديسموند. يتبين لغيليس أن نورما هي إحدى نجمات هوليوود خلال فترة الأفلام الصامتة. حالما تعلم أنه كاتب سيناريو، تقوم نورما بإجباره على قراءة نص كتبته في محاولة منها للعودة للشاشة الذهبية بعد غياب طويل. يرى غيليس أن هذه قد تكون فرصته لكسب المال وحل مشكلة ديونه فيوافق على مراجعة النص، ولكنه يقع تدريجياً في شباك معقدة من حياة النجمة التي خفت نورها وبهت ولكنها لا تزال تؤمن بحتمية عودتها للشاشة والشهرة وكثرة معجبيها.

يقدم لنا الفيلم صورة ساخرة وتهكمية عن الحياة الهوليوودية وأثرها على الممثلين والمخرجين والعاملين بها، إذ أن نورما ديسموند مفتونة بصورتها في السابق، ولا تشاهد إلا أفلامها هي، وقصرها مليء بصورها، وحين تلوح لها فرصة العودة للشاشة - أو تتوهم هي بذلك - تقوم بمجموعة من عمليات التجميل في محاولة يائسة للعودة إلى ما كانت عليه.
لا يصور لنا الفيلم نوستالجيا الفنانة إلى الزمن القديم والصامت فحسب، بل هو أيضاً يقدم لنا ثلة من المبتكرين والمبدعين خلال فترة الأفلام الصامتة - مشكلاً بذلك معاني مزدوجة من ناحية التمثيل والحقيقة. فعلى سبيل المثال، الممثلة التي أدت دور نورما ديسموند، غلوريا سوانسون، كانت حقاً نجمة خلال فترة الأفلام الصامتة، وشكّل هذا الفيلم عودتها للشاشة بعد غياب طويل، كما أنها تسعى في الفيلم إلى أن تعمل مجدداً مع المخرج الذي عملت معه في السابق سيسل ديميل (والذي أدى دوره سيسل ديميل بنفسه)، وهذا أيضاَ كان مخرجاً مهماً في فترة الأفلام الصامتة وأخرج العديد من الأفلام بتمثيل غلوريا سوانسون. كما أن الذي أدى دور الخادم ماكس، إريك فون شتروهايم، كان مخرجاً مهماً في فترة الأفلام الصامتة. في إحدى الجلسات التي تقيمها نورما ديسموند في قصرها مع زملائها وأصدقائها، نرى ظهور قصير للممثل والمخرج الشهير بستر كيتون إلى جانب عدد من الممثلين المشاهير أيضاً خلال فترة الأفلام الصامتة. كل ذلك أضاف إلى أصالة وإبداع الفيلم وجعل من تجربة مشاهدته متعة فائقة، بالإضافة طبعاً إلى الكوميديا الساخرة والتي تفوقت على العديد من الأفلام التي شاهدتها. دراما وكوميديا رائعة وأنصح بها للجميع.

تقييمي للفيلم: 9/10