الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

"زوربا".. ألم الفشل الذي لا يخففه سوى الرقص والموسيقى


بطاقة الفيلم:
زوربا اليوناني (1964)
اللغة: الإنجليزية
إخراج: ميهاليس كاكوجيانيس
بطولة: آنطوني كوين وآلان بيتس
الجوائز والترشيحات: فاز بثلاث جوائز أوسكار ورشح للعديد من الجوائز الأخرى

آلكسيس زوربا: إني أقدرك كثيراً يا سيدي إلى درجة أني لا أستطيع أن أكتم ما علي قوله، لديك كل ما يحتاجه الإنسان ما عدا شيء واحد: الجنون! يحتاج الإنسان إلى قليل من الجنون وإلا...
باسيل: وإلا ماذا؟!
آلكسيس زوربا: لن يتجرأ أبداً أن يقطع الحبل الذي يقيده... ويتحرر!

لربما الإقتباس أعلاه يلخص للمشاهد فكرة فيلم "زوربا اليوناني" بأكمله وشخصية زوربا المحبة للحياة والحرية. الفيلم من إخراج ميهاليس كاكوجيانيس وهو مقتبس عن رواية نيكوس كازنتزاكيس الشهيرة، وهنا من الممكن أن نطرح قليلاً عن جدلية الفيلم والرواية، فليس كل رواية ناجحة من الممكن أن تتحول إلى فيلم ناجح، كما في حالة رواية وفيلم "الحب في زمن الكوليرا" للروائي الشهير جابرييل جارسيا ماركيز، ولربما أكثر ما جعل الفيلم مقبولاً هو تمثيل خافيير باردم فقط، وفيما عدا ذلك فالرواية تتفوق بمراحل على الفيلم من ناحية السرد وعنصر التشويق وغيرها من الأمور. وفي أحيان أخرى، ربما في أحيان قليلة، يكون الفيلم ناجحاً بنفس مستوى الرواية ويستطيع أن يحدث التأثير ذاته، وهذا في حالة رواية وفيلم "أن تقتل عصفوراً محاكياً" للكاتبة هاربر لي الذي حقق انتشاراً واسعاً وجمهوراً معجباً على المستويين، وكما في حالة فيلمنا لهذا اليوم أيضاً.
يحكي فيلم "زوربا اليوناني" عن كاتب ومثقف بريطاني الجنسية من أصول إغريقية اسمه باسيل يقرر السفر إلى "كريت" لأن والده يمتلك قطعة أرض هناك وينوي استثمارها وتحويلها إلى منجم للفحم، وليستثمر وقته فيما قد يجلب له المال بدلاً من انتظار وحي الكتابة الذي انقطع عنه منذ زمن. يلتقي في الميناء وهو يقرأ "الكوميديا الإلهية" لدانتي برجل غريب الأطوار اسمه آلكسيس زوربا الذي يقنعه بتوظيفه لأنه طباخ ماهر وقد عمل في منجم منذ زمن. يُعجب باسيل بشخصية هذا الرجل ورغم أنه لم يكن متأكداً أنه سيستطيع مساعدته بالفعل كما يزعم إلا أنه قرر أخذه معه في رحلته إلى كريت. وهكذا يذهبان معاً إلى كريت ويسكنان في شقة تابعة لعجوز فرنسية أرملة اسمها مدام هورتينس، ويلقبها زوربا "بوبولينا"، وتسري الأحداث في هذه القرية الصغيرة في كريت بين زوربا وباسيل وبوبولينا وعمّال المنجم مع حدوث تطورات عديدة في الفيلم أتركها للمشاهد ليتمتع باستكشافها وحده.
شخصية زوربا مثيرة للإعجاب حقاً، فكل من شاهد الفيلم أو/و قرأ الرواية، لا بد وأن يطمح إلى أن يشبه زوربا ولو بالشيء القليل، فهو محب للحياة ومرح ويعتبر الجنون أمراً ضرورياً ويرقص في لحظات الحزن والمأساة قبل الفرح، يرقص رقصته الشهيرة تلك التي أصبح يضرب بها المثل حين يتحدث أي شخص عن الرقص اليوناني. في حين أن شخصية باسيل هي على النقيض تماماً، فهو ذلك الرجل العقلاني والكاتب الشاعري الذي يفكر كثيراً ويحزنه حال الكثير من الأمور، ويتريث قبل أن يقدم على فعل أي شيء فيحده حذره وخوفه. كأنهما يمثلان آلهة الإغريق أبناء زيوس أبولو وديونيسيوس، وهذه نظرية معروفة لمن درس الأدب والفلسفة، بدأها الفيلسوف الألماني نيتشه في كتابه "مولد التراجيديا" الذي يورد فيه أن اتحاد ابولو وديونيسيوس هو ما يوّلد الآداب والفنون التراجيدية، فإن اتحد هذين الإلهين الذي يمثل كل منهما طباع نقيضة، ولد الأدب والفن والتراجيديا. وهذا بالفعل هو حال فيلم زوربا، فاتحاد زوربا الذي يمثل ديوينسيوس إله الجنون والنشوة والفرح وباسيل الذي يمثل أبولو إله المنطق والعقل والشعر هو ما جعل هذا العمل الروائي والسينمائي مميزاً ومحبباً ومؤثراً لدى الكثير من الناس.
أشبه فيلم زوربا بقصيدة غنائية تتحدث عن الحياة، ولربما "رباعيات الخيَّام" بصوت المغني الفارسي محمد رضا شجريان هو أقرب ما توصلت إليه وما يشابه الفيلم وفكرته، فهو أنشودة في معنى الحياة وفلسفة الفرح، وإن تخلل هذا الفرح شيء من حزن الموت ومرارة الفقد وأسى الفشل – كما يحدث في الفيلم – فربما الرقص على طريقة زوربا كفيلة بتخفيف ولو بعض الألم.


وصلات خارجية:
http://www.youtube.com/watch?v=jeNsr_nQEfE
رقصة زوربا الشهيرة..

http://www.youtube.com/watch?v=j2W2lubMaXw
تأثير الفيلم ورقصة زوربا في إحدى مدن اليونان.. أنصح بمشاهدة الفيديو، ملهم جداً..
___________

نُشر المقال في صفحة سينما، جريدة الرؤية، بتاريخ 28 أغسطس، 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق