الأحد، 13 أبريل 2014

شذرات أفكار عن الهوية والانتماءات


لي صديقة من أصول هندية، ولكن عائلتها وأجدادها عاشوا في زيمبابوي، وهي بنفسها عاشت سنين طفولتها هناك. حين كبرت، وتزوجت، ذهبتْ لتستقر في أوروبا، وحصلت على الجنسية البريطانية. هي تعيش الآن في عُمان، وتشعر بالحب نحو عُمان أكثر من أي دولة أخرى. إن سألتها "من أنتِ؟" ماذا ستتوقع أن تكون إجابتها؟ هل ستقتصر هويتها على واحدة من هذه الدول، أم ستحكي لك قصتها بالتفصيل الذي ذكرته؟ المسألة معقدة بعض الشيء، فإن ذكرت أنها "عُمانية" مثلاً، تقابلها نظرات مُتعجبة ومُتشككة، وإن قالت إنها "بريطانية" سيلاحقها السؤال التالي: "ولكن أصلك من أين؟". لهذا يبدو لي أنَّ مسألة الهوية رمادية للغاية، وليست سوداء أو بيضاء، كما يتهيَّأ للناس، أو كما يوجه الإعلام والسلطة.

قد يقول قائل: هذه حالة خاصة وغير شائعة، ولكني أكاد أجزم أنها قصة متكررة بعوامل مختلفة لدى الجميع. ولأثبت ذلك سأتحدث قليلا عن هويتي الخاصة، وهي حتماً ليست بتنوع هوية صديقتي، ولكن أظنها جديرة بالذكر.. هاجر جدي لأبي من عُمان إلى سواحل شرق إفريقيا، دولة بوروندي تحديداً، لغرض التجارة وكسب العيش. تزوج واستقر هناك وأنجب أولاده الذين عاشوا معظمهم سنين شبابهم هناك إلى أن ذهبوا للدراسة في مصر، ثم قرَّروا الرجوع إلى عُمان للاستقرار. بطبيعة الحال تعلموا اللغة السواحيلية، وتبنوا بعض العادات الإفريقية والمأكولات والملبس...وغيرها من الأمور، ورجعوا بها إلى عُمان. ففي صغري كنت أفخر بهذا الجزء من انتمائي؛ نظراً لكوني دخلت في صداقات مع جماعات شللية، منطلقة من هذا التاريخ المشترك لدى الكثير من العُمانيين؛ فكنا نصنِّف الفتيات حسب تاريخ أجدادهن ونطلق الدعابات عن هذه الاختلافات الموجودة في المجتمع العُماني. كبرتُ قليلاً ومع توسع قراءاتي للأدب العربي -الفلسطيني تحديداً- أصبحت أفخر أكثر بقوميتي ولغتي العربية وديانتي الإسلامية. تابعت العديد من البرامج التليفزيونية عن استرجاع الهوية العربية والإسلامية وقرأت الموسوعات المصورة للدكتور طارق السويدان عن الأندلس واليهود، وحلمت كما حلم الحالمون مع أوبريت "الحلم العربي" والذي أصبح وجعاً عربياً. ثم ذهبت للدراسة في جامعة الكويت، وكنت كلما سافرتُ إلى الكويت أشعر بشوق نحو عُمان، وكلما رجعتُ إلى عُمان أشعر بشوق نحو الكويت. وإلى اليوم -وبعد مرور أكثر من سنتين منذ تخرجي- ما زلتُ أشعر بنوع من الانتماء نحو الكويت. حين أقدم البوعزيزي -رحمه الله- على إشعال النار في جسده رفضاً وحزناً وتمرداً، وابتدأ بذلك عهداً جديداً من الثورات العربية، شعرت بأنني أنتمي إلى كل دولة ثارت ضد طواغيتها، وحلمتْ كما حلمتُ بالحرية والعدالة والمساواة. توسعت قراءاتي ومشاهداتي السينمائية ورأيتني أرتبط معنوياً مع دولتين على وجه الخصوص؛ العراق واليونان، وأشعر نحوهما بحب لا يُفسر ولا يُفهم. كل ما يخصهما من آداب وفنون وسينما وموسيقى وعلوم وطبيعة وآثار وحضارة وأساطير وشعب، كل ذلك أشعر نحوه بكثير من الإعجاب والحب، وأمنِّي نفسي بزيارتهما قبل أي دولة أخرى في هذا العالم. ومع الأيام توسَّع مفهوم الهوية لديَّ ليشمل العالم بأكمله؛ مُنطلقة بذلك من الفكرة الإنسانية "كلنا نعود إلى أصل واحد"؛ فرأيتُ نفسي مواطنة عالمية، رغم مثالية هذه الفكرة. وناديت بالتسامح بين جميع الناس وتقبل الآخر مهما اختلف. هذه الانتماءات المتعددة تشكل جميعها هويتي الخاصة والمتفردة بي وحدي؛ ففي جزيئاتها يشاركني الآلاف والملايين، ولكن في مجملها لا يشاركني بها أحد. وقد تغيَّرت مع مرور الزمن، وستظل تتغير مع اكتسابي لخبرات ومعارف أكثر.

وفي ظل كل هذا، أتساءل عن معنى الوطن، ما هو؟ هل هو حقاً يُختزل في الجنسية وجواز السفر؟ أم هو أوسع وأشمل من ذلك بكثير؟ أم هو وهم اخترعه الإنسان ليشعر بالانتماء نحو جماعة ما، وحتى لا يشعر بالغربة في هذه الحياة الموحشة؟ أرى أن وطني هو كل ما توافق مع قيمي ومبادئي الشخصية. أنتمي إلى عراق الشعر، عراق السياب ومظفر النواب ونازك الملائكة؛ أحبُ روسيا السينما والأدب، روسيا تاركوفسكي وكالوتوزوف وتولستوي وديوستفسكي؛ أنتمي أيضاً إلى جبال عُمان والتي كلما زرتها وخيّمت في سيوحها شعرتُ بالقرب والدفء والطمأنينة؛ ولنفس السبب -وهو انتمائي للجبل- أشعر بحاجة ملحة لزيارة البيرو وحضارة الإنكا ومدينة ماتشو بيتشو الجبلية؛ يونان الموسيقى والأدب والحضارة؛ فلسطين الشعب والصمود والحرية؛ فرنسا الأزياء واللغة؛ إيران الفن التشكيلي والتصويري؛ وهكذا إلى آخر قائمة الأوطان والهويات والانتماءات التي تشكلني وتكونني. قد يقول لي أحدهم: "ولكنك تخلطين كل هذا وكأنه وعاء من الحساء ولا تلقين بالاً للخصوصية العُمانية"، وأقول إن فرادتي تكمن في هذه الانتماءات الصغيرة، وأنني لا أستطيع تحديد انتماء واحدا أو انتماءين -سواء كانت انتماءات قومية أو وطنية أو عرقية أو دينية- وأعطيهما كل طاقتي وولائي وحبي، وأرى في فعل ذلك شيئاً من التطرف وهو المؤدي إلى إشعال الحروب حول العالم؛ لعلي أنهي هذا المقال باقتباس من كتاب "الهويات القاتلة" لأمين معلوف، والذي تحدَّث فيه بعمق عن مسألة الهوية والانتماءات، وبيّن كيف يمكن لهذا المفهوم أن يخون معناه ويؤدي إلى إراقة الدم، تمنى في آخر فقرة من الكتاب.. وقال: "أن يكتشفه (يعني الكتاب) حفيدي عندما يصبح رجلاً، في مكتبة العائلة بالمصادفة، فيقلّبه ويتصفحه قليلاً، ثم يعيده إلى المكان المغبر الذي سحبه منه، ويهز أكتافه مستغرباً أنه في زمن جده كانت هناك حاجة بعد لقول مثل هذه الأشياء".. ونتمنى معه ذات الشيء، لعل هذا العالم يصبح أفضل.

____________________
نُشر المقال في جريدة الرؤية بتاريخ 14 ابريل، 2014:

الخميس، 10 أبريل 2014

آلفاڤيل والإنجيل الذي لا نريد


لعل أول ما يتوقعه المشاهد المعتاد على السينما الهوليوودية حين يقرر مشاهدة فيلم خيال علمي هو الكثير من الروبوتات والمركبات الطائرة والعمارات الشاهقة والتقنيات اللامعقولة، وكل ذلك بمؤثرات خاصة ليبدو حقيقياً جداً. ولكنه قد يُصدم إن قرر مشاهدة فيلم "آلفاڤيل" للمخرج الفرنسي جان لوك غودار والذي يُصنف على أنه فيلم خيال علمي ولكنه مصور في باريس، باريس ليلاً بعماراتها الزجاجية ونوافذها المفتوحة على العالم بغير ستار، بسياراتها ومصاعدها وهواتفها المعتادة وبغير تقنيات خاصة. 

هذا هو باختصار أسلوب هذا المخرج الاستثنائي الذي يتحداك بمعاني أفلامه بدلاً من أن يبهرك بمؤثراته، ويثور على مفاهيم السينما التقليدية بدلاً من الانقياد لها. 

تدور أحداث الفيلم في مدينة "آلفاڤيل" المستقبلية الديوستوبية حيث يسافر ليمي كوشين - الممثل إيدي كونستانتين - إليها وهو عميل سري من الآوتدلانس (مدينة خارج المجرة الفضائية) بغرض العثور على زميله المفقود وقتل رئيس آلفاڤيل البروفيسور ڤون براون وتدمير الكمبيوتر آلفا ٦٠ والذي يتحكم بالمدينة تكنولوجياً. يغير كوشين اسمه إلى إيفان جونسون ويدّعي أنه يعمل لصالح صحيفة فيجارو برافدا. تستقبله ناتاشا ڤون براون - الممثلة آنا كارينا - والتي ترافقه طوال الفيلم لأن عملها يقتضي مراقبة تحركات الغرباء والقادمون من الآوتلاندس.

نجح غودار في تصوير الكابوس بجوهره الكامن متمثلاً في مدينة آلفاڤيل. هذه المدينة التي يتحكم بها كمبيوتر دكتاتوري لا يفهم كل ما له علاقة بالعواطف الإنسانية فيرفضه. يُجبر كل مواطنو هذه المدينة على التصرف بمنطقية والابتعاد عن العاطفة فيعدم كل من يبكي أو يضحك بكثرة، وكل من يسأل "لماذا"، وكل من يظهر العطف والحنان.


في مشهد إعدام جماعي، يسأل ليمي كوشين الشرطي "لم حكم عليهم بالإعدام؟" ويرد الشرطي: "لأنهم تصرفوا بلامنطقية" ثم تقول ناتاشا: "آه أنا أعرف ذلك الرجل، لقد بكى حين ماتت زوجته".

تتاح الفرصة للمحكوم عليهم بالإعدام بأن يتحدثوا قبل أن يطلق عليهم الرصاص، فيقول أحدهم: "استمعوا إلي أيها العاديون، نحن نرى الحقيقة فيما حجبت عنكم، والحقيقة هي أن الحب والإيمان هما جوهر الإنسان.. والشجاعة، والحنان، والعطاء، والتضحية. أما البقية فهم العائق الذي أنتجه تقدم جهلكم الأعمى" ثم يُطلق عليه الرصاص ويسقط في بركة سباحة (المكان المخصص للإعدام) ويصرخ: "يوم ما.. يوم ما" ثم يموت وسط تصفيق البروفيسور ڤون براون والشرطة المراقبون ببرود تام. 

صفة البرود هي الصفة الغالبة لجميع سكان هذه المدينة إذ تبدو وجوههم ميتة خالية من المشاعر الإنسانية وكأنهم أموات يتحركون فحسب. حتى روحانية الديانات مرفوضة، فالإنجيل هناك ليس كما نعرفه، بل هو عبارة عن قاموس متجدد بين كل يوم وآخر، وفيه الكلمات التي يمكن استعمالها في حين تختفي كلمات أخرى لأنها تُمنع. حين تقرأ ناتاشا من كتاب الشعر للعميل السري - وهي لا تعرف ما هو الشعر - تقف عند كلمة "ضمير"، وتتسائل ما يعني؟ ثم تبحث في الإنجيل وتقول: "هذه الكلمة ليست هنا" وتعلق: "في خلال الشهور الماضية، اختفت بعض الكلمات التي كنت أحبها؛ طائر أبو الحناء، البكاء، ضوء الخريف، الحنان".

غودار لا يتوانى عن إدراج معاني يقصد بها السخرية طوال الفيلم، ومن ذلك أن الكمبيوتر آلفا 60 يتحدث إلى المواطنين بكلمات معظمها اقتباسات مباشرة من الشاعر الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس - رغم أن الشعر لا يُقرأ وممنوع وغير معروف في مدينة آلفافيل. كما يرافق صوت الكمبيوتر الأجش والإلكتروني صوت خافت لأنفاس انسان وكأنه يؤكد على الإنسانية أولاً قبل كابوس التقنية هذا.

هذه هي الصورة التي لا نريد حتماً أن نصل إليها، رغم أننا إن تفكرنا فهي ليست بعيدة وخيالية تماماً، إذ نرى في زمننا الحالي علاقات حب بين إنسان وآلة وعلاقات هوس بين إنسان ولعبة، وليس ببعيد أن تتغلب الآلة وتتحكم بخالقها. لعل الأمل يكمن في اقتباس بسيط من الفيلم، حين يحقق الكمبيوتر آلفا 60 مع ليمي كوشين ويسأله: "هل تعرف ما يضيء الليل؟" فيرد كوشين: "الشعر". تمسك بالشعر أيها الإنسان، فوسط هذا التشويش وهذا البرود والزيف لن تنتشل إنسانيتك من الضياع سوى من خلال الشعر.

_____________________

نُشر المقال في جريدة آراء الإلكترونية بتاريخ 10 أبريل، 2014:

الأحد، 6 أبريل 2014

الحق في الحلم ولو انكسر


شاهدتُ قبل حوالي أكثر من أسبوع فيديو عبر اليوتيوب للكاتب الأوروغواني إدواردو غاليانو بعنوان "الحق في الحلم"، حيث تم تصوير هذا الفيديو قبل عام ٢٠٠٠ وفيه يسرد العالَم المثالي الذي يريد أن يعيش فيه في الألفية الجديدة. يقول في مقدمة الفيديو: "الحق في الحلم لم يكن من ضمن قائمة حقوق الإنسان التي أعلنتها الأمم المتحدة عام ١٩٤٨. لذا لنحلم بعض الوقت.. لنحلم" ثم بدأ بوصف العالم الذي يريد أن يعيش فيه؛ عالم مثالي كجنة ولكن بكل أسف ما يحدث في عالمنا اليوم عكس ما وصفه تماماً. هذا المقال ردي البسيط على كلمات ادواردو غاليانو العبقرية.

ما كسرنا سوى أحلامنا المثالية جداً يا غاليانو. حلمنا وحلمنا وحاولنا تطبيق هذا الحلم على أرض الواقع، أخرجنا هذا الحلم البريء والنقي من قلوبنا إلى العالم، وما إن بدأ يحبو خطواته الأولى وانطلق إلى الشوارع إلى أن دهسته السيارات وداست عليه أرجل المارة رافضة إياه لعدم منطقيته. تمنيتَ أن الكلاب تدهس السيارات في الشوارع بدلاً من حدوث العكس، ولكن آسف على القول أن حتى الأحصنة والقطط والأبقار والمواشي لم تسلم من وحشية الإنسان سواء بالتعذيب المباشر لمجرد المتعة أو بالتعذيب غير المباشر لغرض صناعة الطعام! لم يعد التلفزيون أكثر أعضاء العائلة أهمية مثلما تمنيت يا غاليانو ولكن تم استبداله بالهواتف الذكية التي تعطي وهم التواصل وما هذا التواصل سوى تجارة في أعين تجّار الوهم. ونحن جميعاً مشاركون في هذه المأساة فما إن يأخذ أحد منا فترة راحة من وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن يأتيه العتاب واللوم والاستغراب من الناس حوله، إذ لا طريقة للتواصل في هذا العصر سوى عبر الألياف البصرية! لا تزال الناس تعيش لتعمل بدلاً من أن تعمل لتعيش، حيث أصبح العمل عبودية القرن الحادي والعشرين، وأصبحت الناس آلات مبرمجة للذهاب يومياً إلى العمل مكررة ما تفعله برتابة وبغير تجديد. ومن يحاول الابتعاد عن هذا التقليد يلاقي السخرية والاستهزاء من المتعبين أنفسهم الذين يعانون من الرتابة. أي تناقض هذا يا غاليانو؟

أصبحت الناس في البلدان المنكوبة تشارك طوعاً في الحروب الأهلية، وهل نستطيع لومهم حقاً؟ أصبحت الحرب الحالة الطبيعية للبلد بدلاً من أن تكون حالة مؤقتة وشاذة. اللاجئون والمنفيون والمواطنون كلهم سواء، كل يعاني من غربته بطريقة أو بأخرى. أما أمنيتك لأولاد الشارع ألا يعاملوا كقمامة لأنه لن يكون هناك أولاد شوارع، فيؤسفني إبلاغك يا غاليانو أنهم لا يزالون يبيعون أحلام طفولتهم المتمثلة في الفوشار والحلوى عند إشارات المرور ومحطات البترول، وفي بلاد أخرى ليست بعيدة كثيراً عن بلادنا هم يجمعون القمامة ويبيعون منه ما قد يصلح للاستعمال. أنت ترى أن العدالة والحرية توأمتان سياميتان مجبرتان على الانفصال وتتمنى أنهما ستجتمعان مجدداً كتفاً على كتف. أما أنا فلا ألمحهما أبداً ولا أعرف أينهما وفي أي نواحي الأرض يسكنان. أو ربما هما أبداً متنقلتان إذ لا يوجدان بشكل مطلق في أي مكان، وفي هذا العالم الواسع، كم فرصة التقائهما يا غاليانو؟ لا أظنها عالية أبداً.

تمنيت أن تحكم امرأة سوداء البرازيل والولايات المتحدة، وإمرأة هندية غواتيمالا والبيرو. في هذا الجزء من العالم يا صديقي العبقري، لا يزال الناس يناقشون أحقية النساء في الإمساك بالحكم أو تولي منصب الإمارة أو القضاء ويتحججون بنقص عقولهن وضعف منطقهن وقوة عاطفتهن. أود أن أسألك وعموم الناس سؤالا صادقًا؛ ما الذي قد ينقذ البشرية سوى العاطفة الإنسانية والرحمة والحب؟ ذكرت بأنه يجب على الكنيسة أن تصدر وصية أخرى إضافة إلى الوصايا العشر وهذه الوصية هي "أحب الطبيعة التي أنت جزء منها". من فرط حب الناس للطبيعة في هذا الزمان أصبحوا يستعملونها كسلعة تسويقية لمنتوجاتهم الاستهلاكية فيعرضون صوراً لأبقار تتغذى من حشيش سويسرا الساحرة، في حين أن أبقارهم محبوسة في مصانع ضخمة! كانت أمنيتك، كأمنية كل الحالمين بوطن مثالي، هو المواطنة العالمية من غير اعتبار للجغرافيا أو الحدود أو الزمن. لنقل اختصاراً أن الحدود كثرت وحالت بيننا وبين المواطنة العالمية، فلم تتضمن ما ذكرت فحسب بل أصبحت تتضمن القبيلة والجنس والطبقة بل وحتى الوظيفة والمرتب المالي.

أتساءل بعد كل هذا، أمن فائدة من الحلم إذا كان بعيد المنال كأحلامنا؟ أو الأفضل ألا نحلم وألا نتوقع شيئاً من هذا العالم المجنون ونعمل حسب طموحاتنا الشخصية بغير اعتبار للعالم؟ لربما كل هذا يدعو للاستسلام والقعود واليأس، ولكننا هنا سواء شئنا ذلك أم أبينا، لنحلم إذاً، ولنعمل نحو تحقيق هذا الحلم ولو انكسر مرات عدة سنظل نلتقط فتاته من الشارع ونجمعه مجدداً ونغني له تهويدة لعله يهدأ ولا يرتاع، لعله يقوم.

_________________________
نُشر المقال في جريدة الرؤية بتاريخ 07 أبريل، 2014:

ترجمة الفيديو إلى العربية: