الخميس، 29 يناير 2015

مقتطف من فيلم "أنا كوبا" وهواجس أخرى

لستُ متأكدة إن كان صمتي عن المآسي العربية خير أو شر.
أعيش معضلة حقيقية بشأن جدوى الكلمات، علاقة حب وكراهية في آن. ففي أقصى الطرف المحب، يهيأ لي أن الكلمات هي الجوهر والحل والحقيقة، وعلى الطرف الآخر أتخيل أنها مجرد أحرف مبعثرة لا توقف قنبلة أو تنقذ حياة. كلما هممت بكتابة شيء ما، أو وصف هول المجازر، أو شرح حالتي الشعورية الغاضبة والحزينة، أتوقف في المنتصف ليباغتني السؤال ساخراً مني ومن قلمي، وكلما ابتعدت عن القلم أتاني راكضاً ولاهثاً في ذهني يغذيه بتخيلات حالمة عن جدواه وقدرته.
قرأت اليوم تعليقاً لإحداهن، تقول فيما معناه أن دموع الأطفال قد أثقلت الأرض، وجعلتها تحوقل وتتحسب على كل متخاذل وجبان، وأتسائل، هل تكفي فعلاً إعلانات التضامن ونشر صور القتلى؟ ألا نعتبر نحن أيضاً متخاذلون؟

أتذكر اقتباساً أنقله من أحد أجمل الأفلام التي شاهدتها، "أنا كوبا" للمخرج السوفييتي ميكايل كالوتوزوف.



تقول الراوية، والتي تمثل صوت الوطن:

محدثة أحد المستعمرين:
"أنا كوبا
لماذا تفر هارباً؟ ألم تأتِ هنا لأجل المتعة؟
هيا تفضل، واستمتع!
أليست هذه صورة جميلة؟
لا تشح ببصرك عني. انظر!
أنا كوبا
بالنسبة لك، أنا الكازينو والبار والفندق وبيت الدعارة.
لكن أيادي هؤلاء الأطفال المتسولون والشيوخ هي أنا أيضاً."

محدثة فلاح اختار كرامته وموته على عبوديته:
"أنا كوبا
أحياناً تبدو جذوع نخيلي ممتلئة بالدم
أحياناً تبدو الهمهمات من حولي كغصات الدموع المختنقة وتنهدات البكاء
وليست صوت المحيط
من يجيب نداء الدم؟
من المسؤول عن هذه الدموع؟"

محدثة مجموعة من الطلبة الثوار:
"أنا كوبا
هنالك طريقين للبشر عندما يولدون
طريق العبودية والذي سيتداعى وينتهي
وطريق النجوم الذي يضيء ولكنه يحرق.
وأنت ستختار طريق النجوم
سيكون طريقك صعباً، وعلامته الفارقة الدم
ولكن في سبيل العدالة، عندما يذهب رجل واحد، الآلاف سينهضون
وعندما لا يكون هناك بشر آخرون
ساعتها سينهض الحجر."

محدثة فلاح بسيط اختار أخيراً أن يحمل السلاح:
"أنا كوبا
ربما اعتادت يداك على أدوات الفلاحة
ولكنك الآن تحمل بندقية
أنت لا تطلق النار لتقتل
أنت تطلق النار على الماضي
أنت تطلق النار لتحمي المستقبل"

إذاً تتغير الأسماء والأوطان والحكاية واحدة، لم نحن مصرون على تكرار أخطاء التاريخ؟

____

نُشر في الفيسبوك بتاريخ 14 يوليو 2014

السبت، 24 يناير 2015

فيسبوك - "سنسيت بوليفار"



شاهدتُ قبل عدة أسابيع الفيلم الأمريكي "سنسيت بوليفار" للمخرج بيلي وايلدر، وأعتبره من أجمل الأفلام الهوليوودية الكلاسيكية التي شاهدتها.

ينتمي الفيلم إلى جانرا فيلم نوار والذي ازدهر في هوليوود في فترة الأربعينيات والخمسينيات ويتميز بالحبكة الجرائمية عادة ووجود نموذجي الرجل المحقق والمرأة الجذابة والمدمرة (فيم فاتال)، كما لها خواص محددة في الإضاءة والإنتاج والبنية القصصية.

يبدأ الفيلم بصورة تحتية لرجل ميت في حوض سباحة، مصورة من قاع الحوض، ويحكي لنا الراوي/الميت جو غيليس عن الأحداث التي أدت إلى وفاته بهذه الطريقة!
(بالإمكان مشاهدة افتتاحية الفيلم هنا: https://www.youtube.com/watch?v=HduXGYkoc_w )
وبذلك يعود الفيلم إلى الوراء باستعمال تقنية الفلاش باك ونرى جو غيليس قبل ستة أشهر وهو يعمل ككاتب سيناريو مغمور في هوليوود، ومدان ومطارد من قبل دائنيه الذين هددوه بأخذ سيارته. في إحدى سلسلة المطاردات، يدخل غيليس في محاولة للهرب إلى باحة قصر بدا له لأول وهلة أنه غير مأهول، ولكن يستقبله الخادم ماكس والذي ظن أنه شخص آخر كان يتوقعه ويقوم بتقديمه لسيدة المنزل، نورما ديسموند. يتبين لغيليس أن نورما هي إحدى نجمات هوليوود خلال فترة الأفلام الصامتة. حالما تعلم أنه كاتب سيناريو، تقوم نورما بإجباره على قراءة نص كتبته في محاولة منها للعودة للشاشة الذهبية بعد غياب طويل. يرى غيليس أن هذه قد تكون فرصته لكسب المال وحل مشكلة ديونه فيوافق على مراجعة النص، ولكنه يقع تدريجياً في شباك معقدة من حياة النجمة التي خفت نورها وبهت ولكنها لا تزال تؤمن بحتمية عودتها للشاشة والشهرة وكثرة معجبيها.

يقدم لنا الفيلم صورة ساخرة وتهكمية عن الحياة الهوليوودية وأثرها على الممثلين والمخرجين والعاملين بها، إذ أن نورما ديسموند مفتونة بصورتها في السابق، ولا تشاهد إلا أفلامها هي، وقصرها مليء بصورها، وحين تلوح لها فرصة العودة للشاشة - أو تتوهم هي بذلك - تقوم بمجموعة من عمليات التجميل في محاولة يائسة للعودة إلى ما كانت عليه.
لا يصور لنا الفيلم نوستالجيا الفنانة إلى الزمن القديم والصامت فحسب، بل هو أيضاً يقدم لنا ثلة من المبتكرين والمبدعين خلال فترة الأفلام الصامتة - مشكلاً بذلك معاني مزدوجة من ناحية التمثيل والحقيقة. فعلى سبيل المثال، الممثلة التي أدت دور نورما ديسموند، غلوريا سوانسون، كانت حقاً نجمة خلال فترة الأفلام الصامتة، وشكّل هذا الفيلم عودتها للشاشة بعد غياب طويل، كما أنها تسعى في الفيلم إلى أن تعمل مجدداً مع المخرج الذي عملت معه في السابق سيسل ديميل (والذي أدى دوره سيسل ديميل بنفسه)، وهذا أيضاَ كان مخرجاً مهماً في فترة الأفلام الصامتة وأخرج العديد من الأفلام بتمثيل غلوريا سوانسون. كما أن الذي أدى دور الخادم ماكس، إريك فون شتروهايم، كان مخرجاً مهماً في فترة الأفلام الصامتة. في إحدى الجلسات التي تقيمها نورما ديسموند في قصرها مع زملائها وأصدقائها، نرى ظهور قصير للممثل والمخرج الشهير بستر كيتون إلى جانب عدد من الممثلين المشاهير أيضاً خلال فترة الأفلام الصامتة. كل ذلك أضاف إلى أصالة وإبداع الفيلم وجعل من تجربة مشاهدته متعة فائقة، بالإضافة طبعاً إلى الكوميديا الساخرة والتي تفوقت على العديد من الأفلام التي شاهدتها. دراما وكوميديا رائعة وأنصح بها للجميع.

تقييمي للفيلم: 9/10