الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

"وال-إي".. لكي لا يصبح أحفادنا كائنات كسولة وثرثارة!


بطاقة الفيلم:
WALL-E (2008)
اللغة: الإنجليزية
إخراج: آندرو ستانتن
بطولة: بين بيرت، إليسا نايت، جيف كارلين
الجوائز والترشيحات: فاز بجائزة أوسكار في فئة أفضل فيلم رسوم متحركة، وبجائزة الكرة الذهبية في نفس الفئة، وفاز أيضاً بجائزة فيلم السنة في حفل توزيع جوائز معهد الفيلم الأمريكي (AFI)

المشهد الأول: في عام 2805 مستقبلاً، تبدو الأرض بالرغم من كثرة ناطحات السحاب وتوفر كل وسائل الراحة التكنولوجية، غير صالحة للعيش، فالنفايات ممتلئة في كل مكان، والتربة مسممة، والنباتات اختفت.
المشهد الثاني: في عام 2805 أيضاً، سفينة فضائية تحمل كل سكان الأرض، يتحركون بواسطة كراسي طائرة حتى فقدوا قدرتهم على الوقوف وأصبحوا مفرطين في البدانة والكسل، يأكلون ويثرثرون طوال الوقت، وتتحكم في معيشتهم روبوتات مطورة.
تكاد التكنولوجيا تستحوذ على حياتنا حتى أصبحنا نظن أننا لا نستطيع العيش من غيرها، أن حياتنا ستتوقف ومشاريعنا ستتعطل إن لم يكن معنا جهاز الآيفون أو الجالاكسي. فمن بعد ما كانت الأرض في القدم تمشي على رتم بطيء متناغم مع رتم الطبيعة، وكانت وسائل الاتصالات محدودة ووسائل توفر المعلومات مقتصرة على الكتب، أصبح التواصل يتم في أقل من دقيقة بين من يعيش في أقصى شرق الكرة الأرضية، ومن يعيش في أقصى غربها. هذا مما لا شك فيه يسهل العديد من الأمور ويفتح باباً لا يُغلق حول مدى التطور التكنولوجي الذي وصلنا إليه، ولكننا بحاجة من وقت إلى آخر إلى خفض السرعة – ليس تجنباً للحوادث فحسب، بل لنقترب أكثر إلى بعضنا البعض ولنحقق بذلك تناغماً بيئياً مع الأشياء من حولنا.
هذا هو ما نستخلصه من فيلم التحريك "وال-إي"، من إنتاج شركة بيكسار. حاز الفيلم على جوائز عديدة، وقد حاز – على غير العادة – على إعجاب جميع النقاد والمشاهدين (نظراً للفجوة القائمة عادة بين الأفلام التي تحوز على إعجاب النقاد ولا تعجب الجماهير، والعكس). إذاً هو فيلم للجميع، نقاداً وجماهير، صغاراً وكباراً، نساءاً ورجالاً. وأستطيع أن أقول بثقة، أنه حتماً من أجمل أفلام التحريك. ما الذي يجعلنا نُعجب بهذا الفيلم إلى هذا الحد؟!
في عام 2105، قرر سكان الأرض الهرب إلى الفضاء لأن الأرض أصبحت غير آهلة للعيش نظراً لكثرة النفايات والبيئة الملوثة. تركوا ورائهم روبوتات مصممة للتخلص من النفايات، فهي تجمع النفايات، وتضعهم داخل بطنها – إن اعتبرنا أن لها بطوناً – ويضغطون عليها حتى تصبح أصغر حجماً على هيئة مكعب، ثم يضعونها في أكوام مكومة أصبحت كناطحات السحاب في طولها ومن فرط النفايات. بعد مرور 700 سنة، وفي عام 2805 لم يتبقى من هذه الروبوتات المسماة "وال-إي" إلا واحد استطاع أن ينجو لأنه طوّر نفسه بحيث استعمل قطع من النفايات لترميم أي عطل يصيبه. وال-إي يعيش حياة روتينية، فهو مبرمج ليصحو صباحاً ليجمع النفايات اللامتناهية، ثم يرجع ليلاً إلى ما يمكن اعتباره منزله لينام بعد أن يتأمل في ممتلكاته الشخصية التي هي عبارة عن نفايات مميزة جمعها طوال الـ700 سنة. تعوّد سكان الأرض أن يرسلوا كل سنة روبوت مصمم للبحث عن أي أثر نباتي للحياة في الأرض، فهم يأملون أنه حالما تجد هذه الروبوت أي نبات، ستصبح الأرض مؤهلة للعيش وسيرجعون من منفاهم الفضائي. وصدفة، يجد وال-إي قبل مجيء هذه الروبوت المسماة "إيفا" نبتة صغيرة بين كومة النفايات، فيحتفظ بها مع كنوزه الأخرى. ومع تطور الأحداث، وفي مغامرة ستغير من مجرى الحياة، يذهب وال-إي مع إيفا إلى السفينة الفضائية لنشهد لأول مرة في الفيلم كائنات ناطقة باللغة الإنجليزية – كائنات بدينة كسولة ثرثارة هي بقايا إنسان.
هناك العديد من العوامل الجذابة في الفيلم التي تجعله من أجمل أفلام التحريك، فالكلام والحوار قليل مما يمكّن حتى غير الناطقين باللغة الإنجليزية من مشاهدة الفيلم من غير حاشية مترجمة، وفهمه. فاللغة هنا غير معترف بها كحاجز بين الإنسان والآخر. هناك أيضاً طريقة الإخراج البديعة التي اهتمت بتفاصيل صغيرة لها الأثر العظيم، فمثلاً، وال-إي لا يملك فماً للكلام، بل يملك عينين كبيرتين تعمل كأداة كاميرا، وقد أبدع فريق إنتاج الفيلم في تصوير هاتين العينين فمن خلالهما نفهم مشاعر وال-إي ونعرف متى يحزن ومتى يحب ومتى يفرح، حتى أصبحنا نظن أنه – وهو الروبوت الآلي المبرمج – أقرب إلينا من سكّان السفينة الفضائية. وهناك أيضاً موسيقى الفيلم الجميلة التي تجمع بين صفة الخيال العلمي والسحر والجمال، وأصنفها شخصياً من بين أجمل ما سمعت في موسيقى الأفلام، خصوصاً في ذلك المشاهد الساحر الذي يرقص فيه وال-إي في الفضاء بمساعدة طفاية الحريق مع إيفا. حتى طريقة عرض أسماء القائمين على العمل نهاية الفيلم استثنائية وبديعة فقد حكت قصة الإنسان والأرض باستخدام مختلف الفنون التي عرفها الإنسان مثل الفسيفساء، وطريقة رسم الفراعنة، وأسلوب فان جوخ، وغيرها.
يبين لنا "وال-إي" أن نبوءة تي إس إليوت في رائعته "الأرض الخراب" قد تتحقق بعد حوالي 800 سنة من الآن، مثلما تحققت نبوءة الرسام الفرنسي فيلمارد عندما رسم سلسلة رسومات عام 1910 تنبأ بحال الأرض في الألفية الثانية، وبخيال واسع، تنبأ فعلاً بالكثير مما يحدث اليوم. فلنعمل إذاً حتى لا يصبح أحفادنا من بعدنا كائنات بدينة كسولة وثرثارة.


وصلات خارجية:
http://www.youtube.com/watch?v=PB9FltZf_70
طريقة عرض أسماء القائمين على الفيلم..

http://www.youtube.com/watch?v=P8sUVhR7xjE
رقصة وال-إي وإيفا مع موسيقى الفيلم..
_____________

نُشر المقال في صفحة سينما، جريدة الرؤية بتاريخ 25 أغسطس، 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق