الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

"سينما براديسو".. الطفولة بعين الكاميرا السينمائية البريئة


بطاقة الفيلم:
سينما باراديسو (1988)
اللغة: الإيطالية
إخراج: جيوسيبي تورناتوري
بطولة: فيليبي نورييه، جاك بيرين، بريجيت فوتسي
الجوائز والترشيحات: فاز بجائزة أوسكار عن أفضل فيلم أجنبي، وفاز أيضاً بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كان وبجائزة الكرة الذهبية لأفضل فيلم أجنبي.
عندما يكون الإنسان محباً للفن، فهو يرى كل ما حوله بعين الجمال والإنسانية، فيكون مغرقاً في تفاصيل الأشياء ويكون حالماً دوماً بغد أجمل. أن تولع بالفن بجميع تفرعاته يعني أن تولع بالحياة والإنسانية والحب، وهذا هو حال سلفاتوري بطل فيلم "سينما باراديسو" المولع بالفن السابع في كل مراحل عمره الثلاث، الطفولة والشباب ومرحلة بلوغ الحكمة. فيلم "سينما باراديسو" من إخراج المخرج الإيطالي المبدع جيوسيبي تورناتوري والذي أخرج العديد من الأفلام الجميلة كـ"مالينا" و"أسطورة 1900" وقد تعاون في الكثير من أفلامه -  بما في ذلك فيلمنا اليوم - مع المؤلف الموسيقي الشهير إينيو موريكوني وأخرجا معاً تحفاً فنية. فيلم "سينما باراديسو" لا يقل جودة وروعة عن باقي أفلام تورناتوري، بل من الممكن أن نقول أنه كان الفتيلة في إطلاق قدرات وإبداعات تورناتوري، وهو الفيلم الذي أكسبه شهرته الواسعة.
يبدأ الفيلم بمشهد للمخرج الشهير سلفاتوري دي فيتا وهو عائد إلى منزله في روما لتخبره صديقته أنها تلقت اتصالاً من أمه لتبلغه بوفاة "الفريدو"، تتسائل من يكون الفريدو هذا في حين يسرح سلفاتوري إلى الماضي البعيد، وهنا نعلم أن بقية أحداث الفيلم ستصور على طريقة الفلاش باك وبالتالي سيكون للحنين والنوستالجيا دوماً حضور. ننتقل بعدها إلى أحداث سلفاتوري الصغير، الملقب حينها من قبل الجميع بـ "توتو" في قريته الصغيرة النائية في صقلية. منذ صغره، كان توتو مولعاً بالسينما فكان يتسلل خفية إلى دار السينما الوحيدة في قريته، سينما باراديسو، ليشاهد جميع الأفلام المعروضة، سواء مع الحضور أو مع الكاهن الذي كان يتصرف كجهاز الرقابة فتمر جميع الأفلام من خلاله أولاً ليستقطع منها ما يشاء من مشاهد الرومانسية ثم يستطيعوا بعدها عرض الفيلم للناس جميعاً في تلك القرية. كانت مقاطع الأفلام المقطوعة تتراكم في زاوية مهجورة في غرفة العرض لتبدو وكأنها انثولوجيا لرواية جميلة بأبطال كثر عن الحب. كان توتو يضحك وهو يستمع إلى جرس الكاهن الذي يدل على وجود مشهد للقطع، وكان الفريدو، عارض الأفلام، يعلم بتسلل توتو دوماً إلى دار السينما، وقد حاول منعه مرات عدة بلا جدوى إلى أن تعود عليه فأصبحا صديقين. تنشأ بينهما علاقة صداقة حميمية مع مرور الأيام أشبه بعلاقة الأب بابنه إذ يرى كل منهما في الآخر ما فقده من مشاعر الأبوة أو البنوة. وهكذا، لعشاق الأفلام، تبدأ سلسلة طويلة لمشاهدات توتو لمختلف الأفلام في سينما باراديسو، وإن كنتم متابعين لأفلام هوليوود الكلاسيكية لاستطعتم معرفة بعض الأفلام المعروضة. هذه المشاهد القصيرة في الفيلم تنقل للمشاهد صورة عذبة عن حياة صقلية وكيف تتمحور تسليتهم في الذهاب إلى السينما، فتجد هناك من يذهب للنوم، وهناك من يذهب وهو ساخط على جميع المقاطع المقطوعة، وهناك الأحبة الذين يجتمعون همساً في السينما، والعديد غيرها من المشاهد الجميلة التي تبعث إلى الألفة والحنينية.
الأجزاء الأولى في الفيلم والتي تعني بحياة توتو الصغير هي الأكثر سحراً وجمالاً إذ يستطيع كل محب لمشاهدة الأفلام أن يربط نفسه بتوتو الصغير، بل ويربط ذكرياته الأولية في السينما بذكريات توتو وتسلله المتكرر. تذكرتُ أحاديث والدي عن ليالي القاهرة حين كان طالباً، فيستجمع من راتبه الشهري ليتمتع كل شهر بمشاهدة فيلماً في "السيما" وفق لهجة أحبتنا في مصر. أظننا فقدنا هذه الجمالية لتوفر الأفلام بكل سهولة هذه الأيام في أيدي الجميع، ولكن يعلمنا الفيلم أن نقدّر كل ما نملك وأن ندرك أبسط الجماليات التي قد لا نستوعبها اليوم في زحمة هذه الحياة. ينتقل الفيلم بعدها إلى حياة توتو الشابة حيث طوّر الآن من موهبته وأصبحت الكاميرا لا تفارق يده، فيحاول تصوير كل شيء يدعو للتفكر ويمثل الجمال. وكانت أولى صوره، الفتاة الجميلة ابنة صاحب البنك الثري، "إلينا". وهنا تبدأ ملحمة أخرى في حب الفتاة، تكاد لا تختلف بشغفها وقوتها عن الحب الأولي وهو السينما. أما الجزء الأخير من الفيلم وهو حياة توتو أو سلفاتوري البالغة حين أصبح مخرج أفلام شهير فهي قصيرة مقتضبة، لعل أجملها مشهد النهاية الذي أتركه بكل تأكيد للمشاهد.
فيلم "سينما باراديسو" موجه إلى جميع عشاق السينما والأفلام، إلى تلك الأرواح المضيئة التي تود استخدام آلة التصوير لإبراز الجمال حول العالم، أو حتى لإبراز المعاناة، فمن صلب المعاناة تولد الرحمة والمحبة بين الناس. إلى أولائك الحالمين دوماً بغد أفضل، ويوظّفون أحلامهم عن طريق آلة التصوير، حتماً ستسلهمون الكثير من مشاهدة هذا الفيلم.

_______

نُشر المقال في صفحة سينما، جريدة الرؤية بتاريخ 17، يوليو، 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق