الاثنين، 31 أكتوبر 2016

"قصة مرعبة أمريكية" وما بعد الحداثة

لعل ظرافة مسلسل "قصة مرعبة أمريكية" المعروض في نِتفلِكس، تكمن في توظيف كافة كليشيهات أفلام الرعب الأمريكية لدرجة فكاهية، وإعتماد أسلوب المحاكاة الساخرة التي تجعل المشاهد يحاول ربط المسلسل بأفلام الرعب الكلاسيكية (من قبيل The Shining, Rosemary's Baby, Halloween إلى آخره)، فمثلاً، مع أول حلقة في الجزء الخامس، يربط المشاهد فوراً بين هذا الجزء وفيلم The Shining لستانلي كوبريك من حيث وجود الفندق المسكون، الممرات الطويلة بالسجاد الأحمر، الطفلين الأشقرين في الممرات، وغيرهم من الدلائل، وأيضاً في الجزء الأول: وجود شخصية مساعدة المنزل التي تظهر وكأنها شابة جميلة ومثيرة ولكنها في الحقيقة عجوز شمطاء. هذه المعارضة السينمائية التي تعتمد على تركيب عدة مشاهد وأنماط من أعمال سابقة هي إحدى سمات الأسلوب ما بعد الحداثي في السينما، وفيه تنحسر اللمسة الشخصية للمخرج أو الممثل ويصبح التقليد الفكاهي بديلاً ملائماً.

عامل الظرافة يأتي أيضاً حين يتم إدخال عوامل تفكك التركيبة المألوفة لأفلام الرعب الأمريكية ومن ثم تعيد بناءها حسب مقاييس مختلفة، ومن ذلك مثلاً توظيف الموسيقى في المسلسل. قلما نشاهد فيلم رعب يوظف موسيقى راب حديثة، مثلما يرقص ويل دريك مع أغنية المغني الأمريكي الشهير دريك "هوتلاين بلينغ" في أحد المشاهد المسلية - لاحظوا أيضاً أن اسم الشخصية مماثل لاسم المغني. وفيما عدا ذلك، قلما أيضاَ نشاهد توظيف فكاهي لوسائل التواصل الإجتماعي في أفلام الرعب. أكاد أزعم أن استخدام هذه الوسائل يكاد يكون غير موجود في أفلام الرعب التقليدية.

- تحذير (سبويلر آلِرت - ما كان فيني أبحث عن ترجمة ملائمة لهالكلمة) الفقرة التالية تتحدث عن الحلقة الأخيرة من الجزء الخامس بشكل خاص، مفترضة أن القارئ شاهد الحلقة -

المثال الأبرز، في وجهة نظري، لهذه العوامل الدخيلة هي في حكاية الشخصية البديعة سالي ماكينا، والتي تمثل دور شبح ومدمنة مخدرات ومتعطشة - إلى درجة اليأس - لحياة عاطفية سعيدة. تعاني سالي من توق حاد إلى الاهتمام والعناية من الآخرين (الرجال على وجه خاص)، وهي لذلك تكون كثيرة التشبث بمن يدعوه حظه البائس بأن يصبح شريكها، مما يستدعيهم في النهاية لهجرها، وذلك بدوره ساهم في تكوين عقدة هجران لدى سالي. مثال على ذلك هو حين تفرض سالي في أحد المشاهد رجلاً على الإفصاح بحبه لها وإلا سوف تقتله، وفي محاولة يائسة للنجاة، يتفوه الرجل بكلمات الحب لإمرأة يرآها لأول مرة! في الحلقة الأخيرة للمسلسل، ونتيجة لهجران شريكها الذي أحبته، تقع سالي في منحدر اليأس والكآبة بشكل أكثر حدية من السابق مما يجعلها تستأنس بقتل ساكني الفندق كوسيلة لتقضية الوقت. آيريس، صاحبة الفندق، ترى أن ذلك يسيئ لسمعة الفندق، وتشتري جهاز آيفون لسالي وتقنعها أن هذا الجهاز سوف يساعدها على التخلص من عقدة الهجران واليأس التي تعاني منها! تقول آيريس: "في عصرنا الحديث، لا أحد يجب أن يعاني من الوحدة أبداً، ولو لثانية!". في مشهد بديع وفكاهي إلى أبعد حد، نرى شخصية سالي التي عهدناها حزينة وباكية طوال الجزء الخامس وكأنها انبعثت للتو من ميتة طويلة - وهي، أذكركم، شبح ميت منذ زمن طويل - بعدما اقتنت هذا الجهاز الفاتن وحمّلت كافة برامج التواصل الإجتماعي من سناب تشات وإنستغرام إلى فيسبوك وتويتر. تركت إدمانها للمخدرات ورمت الإبرة التي كانت تستعملها من النافذة وأصبحت مدمنة وسائل التواصل الإجتماعي وأصبح لديها عدد هائل من المتابعين و"المهتمين" بصحتها وأمورها وحياتها الخاصة. وهكذا تحولت سالي من الشبح المرعب ذو العينين الباكيتين الذي يطارد الرجال إلى "فاشينستا" و"بلوغر" ونجمة وسائل التواصل الإجتماعي.

كون سالي "شبح بداخل آلة"، حرفياً، هو تقليد ساخر لفكرة الأشباح المخيفة في أفلام الرعب الاعتيادية. لعلها ليست المرة الأولى التي يتم فيها دمج الأشباح بالتكنولوجيا في أفلام الرعب (أستحضر مثلاً فيلم "الخاتم" الذي يصور بتكرار مشهد خروج الشبح من التلفاز)، ولكنها حتماً من المرات القليلة التي تصور هذا الدمج بفكاهية وسخرية مدهشتين - مما يجعل مشاهدة هذا المسلسل تسلية مضاعفة.