الأحد، 12 أغسطس 2012

"برسبوليس"... عن ثورة تأكل أبناءها وطفولة صادرها الإستبداد


بطاقة الفيلم:
Persepolis (2007)
اللغة: الفرنسية
إخراج: فينسينت بارانود ومرجان ساترابي
بطولة: تشيارا ماسترويامي
الجوائز والترشيحات: ترشح لأفضل جائزة أوسكار لفئة أفلام الانيميشين

"يسقط الشاه، يسقط الشاه، يسقط الشاه"
وهي ترفع يدها وتجول في أنحاء منزلها وبحماسة بالغة، تغنّت مرجان ساترابي بهذه الكلمات وهي صغيرة أثناء الثورة الإيرانية، وبعدما علمت من أبيها مدى طغيان شاه إيران وأسباب إرادة الشعب لإسقاطه.
فيلم الرسوم المتحركة "برسبوليس" المقتبس من الكتاب المصور الذي يحمل نفس الإسم للكاتبة الإيرانية مرجان ساترابي يحكي قصة حياة الكاتبة وعائلتها الليبرالية أثناء الثورة الإيرانية لإسقاط الشاه وتولي الحزب الإسلامي الحكم وتحويلهم إيران من دولة علمانية إلى دولة تحكم السيطرة والاستبداد تحت راية الدين، ومن ثم الحرب الخليجية الأولى بين إيران والعراق. الفيلم يحاكي بشكل كبير الكتاب المصور من حيث تحويل الرسوم الورقية إلى رسوم حركية وهذا أضاف جانب طفولي إلى الفيلم مع الأخذ بعين الإعتبار أنه ليس للأطفال. فكأن الكاتبة أرادت أن توصل وجهة نظرها عبر استخدام العنصر الطفولي وهذا تكنيك معروف في السينما الإيرانية بشكل خاص. الفيلم يعتبر أيضاً فيلم درامي تاريخي عن هذه الحروب والثورات التي مرت بها إيران، وأثرها النفسي والاجتماعي على حياة الكاتبة، مع إضفاء لمسة كوميدية على أحداث الفيلم من خلال المواقف والتناقضات المضحكة.
يبدأ الفيلم بمشهد مرجان ساترابي البالغة وهي في المطار تستعد للرجوع إلى إيران. وفي كرسي الانتظار، يجول خيالها بعيداً وتتذكر طفولتها، وهنا تتغير الصورة الملونة إلى صورة بالأبيض والأسود. ويستمر الفيلم بهذا الشكل وكأنه مشهد فلاش باك طويل حيث تحكي فيه مرجان ساترابي قصتها للمشاهد: "أتذكر أني كنت أعيش حياة هادئة خالية من الأحداث وأنا صغيرة. كنت أحب البطاطا المقلية بالكاتشاب، وكان بروس لي بطلي المفضل، وكنت ألبس أحذية أديداس الرياضية، ولدي نوعين من الهوس: حلاقة شعر رجلي في يوم ما، وأن أكون آخر نبية على وجه الكون". وقد بدأت بالفعل بأداء دور النبية وهي صغيرة، فأخرجت تعاليمها الخاصة التي تقتضي باحترام الصغير والكبير وحب الجميع، وتخيلت أنها تحكي مع الله في مشهد طفولي أثار الكثير من الجدل واللغط في الأوساط الإسلامية بسبب تصوير الفيلم هيئة الله على أنه رجل ملتحي وحنون، وهي الصورة التقليدية في الأفلام والقصص عن الرب.
هناك شخصيتين رئيسيتين تؤثر في حياة مرجان وهما شخصية عمها وجدتها، اللذين رغم دورهما الثانوي إلا أنهما يشكلان التأثير الأكبر على فكر مرجان وسير حياتها. فعمها كان مسجوناً لفترة طويلة خلال حكم الشاه، ثم أخرجوه من السجن بعد الثورة ليأتي ويحكي لمرجان في مشهد مصور على طريقة الدمى المتحركة عن تاريخ شاه إيران وكيفية وصوله للحكم بمساعدات الولايات المتحدة الأمريكية. ما لبث العم آنوش إلا قليلاً في يد الحرية، حتى قبضوا عليه مرة ثانية، هذه المرة عبر الحكم الإسلامي، ليحكموا عليه بالإعدام ولتبقى ذكراه مع مرجان طيلة حياتها. أما جدتها، الشخصية الثانية المؤثرة على فكر مرجان، فقد أسست فكرة حب إيران وحب الآخرين في فكر مرجان منذ الصغر، وحين ودعتها في المطار وهي في طريقها إلى فيينا لاستكمال دراستها، قالت لها: "كوني صادقة مع نفسك" وظلت هذه الفكرة تطارد مرجان حتى كبرت.
تكاد جميع الثورات العالمية تنقلب من ثورة بإسم الحرية والعدالة إلى حكم إستبدادي بأيدي الثوار، وهي مرحلة طبيعية تمر بها معظم الثورات، والأمثلة على ذلك كثيرة ربما أبرزها الثورة الفرنسية وكيف مسك الثوار زمام الأمور بعد الثورة وأصبحوا يطلقون أحكام الإعدام على جميع من يخالفهم في الرأي، فكأن الناس خرجت إلى الشوارع لتتخلص من حكم مستبد، لتدخل في حكم مستبد آخر من نوع مختلف. وقد أوضح هذا بشكل جلي الكاتب جورج أورويل في روايته الشهيرة "مزرعة الحيوان" حول ثورة حيوانات المزرعة على صاحبها من أجل حياة كريمة، ومن ثم طغيان الخنازير في الحكم وعدم اختلافهم كثيراً عن طغيان صاحب المزرعة. ربما هذا ما أرادت الكاتبة والمخرجة مرجان ساترابي إبرازه من خلال هذا الفيلم التاريخي والكوميدي.

________________
نُشر المقال في صفحة سينما، جريدة الرؤية، يوم 12-يونيو-2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق