الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

"أين منزل الصديق؟".. مغامرة طفولية في عالم الكبار



بطاقة الفيلم:أين منزل الصديق (1987)
اللغة: الفارسية
إخراج: عباس كيارستمي
بطولة: بابك أحمد بور، أحمد أحمد بور
الجوائز والترشيحات: فاز بجوائز من مهرجان فجر للأفلام ومهرجان لوكارنو العالمي

لطالما كانت الأفلام الإيرانية موضع إعجاب بالنسبة لي، وأستخدمها كأمثلة في كثير من الحوارات على إمكانية الإبداع على الرغم من قلة الدعم والتقييد الرقابي. مخرج فيلم اليوم عباس كيارستمي من أشهر المخرجين الإيرانيين، إذ حصد على إشادة عالمية لعدد من أفلامه، ومن أبرزهم ثلاثية الكوكر (التي يعتبر فيلم "أين منزل الصديق" جزءها الأول)، ورائعته "طعم الكرز" التي أوصلته إلى الشهرة العالمية، وفيلم "ستحملنا الريح". يعتبر عباس كيارستمي من بين المخرجين الإيرانيين الذين أخرجوا أفلاماً في المدرسة السينمائية "الموجة الجديدة الإيرانية"، التي تتميز بشاعريتها وتصويرها للحياة اليومية مع رسائل سياسية وفلسفية. وقد عُرف عن عباس استخدامه لأبطال صغار ولتصويره أفلامه بطابع وثائقي، كما أنه أحب التصوير في القرى والمناطق الريفية.

يتسم فيلم "أين منزل الصديق" بكل هذه الصفات بالإضافة إلى بساطة الفكرة وعمق المعنى. أحمد ومحمد، زميلان في صف المدرسة الابتدائية. يوبخ المعلم محمد لأنه لم يكمل كتابة الواجب ويهدده بالطرد من المدرسة في حال تكرر الأمر. يرن جرس الطلقة، ويركض الأطفال عودة إلى منازلهم، وفي خضم الفوضى تسقط كراسة محمد على الأرض وهو غير منتبه لها، ويلتقطها أحمد ظناً منه أنها كراسته لتشابه الكراستين. حين يصل أحمد إلى المنزل، يكتشف أنه أخذ كراسة محمد ويعتزم إرجاع الكراسة لأنه يعلم عاقبة عدم كتابة الواجب إذ قد يؤدي إلى طرد صديقه من المدرسة. ولكن أمام أحمد عائقين، فهو لا يعرف على وجه الدقة أين منزل صديقه الواقع في قرية مجاورة، وتمنعه أمه من الذهاب لإرجاع الكراسة بحجة أن لديه أعمال منزلية أكثر أهمية من ذلك. ولكن يغتنم أحمد الفرصة حين تبلغه أمه بأن يذهب إلى المخبز ليشتري الخبز للمنزل، وينطلق بكراسة محمد إلى القرية المجاورة بحثاً عن منزل صديقه. وهكذا تبدأ مغامرة طفولية في البحث عن منزل الصديق تتضمنه لقاءات عدة بأشخاص في الطريق.

ينتقد الفيلم السلطات المختلفة عبر تصوير البالغين في الفيلم وردات فعلهم مقارنة بردة فعل الطفل أحمد. فمن جهة يمثل المعلم دور الشخص الذي يريد تأديب وتهذيب الأطفال عبر اتباع القوانين المشددة، ليشعر بسيادته وعليته على الأطفال. صوّرت المدرسة في الفيلم على أنها مؤسسة تود إخراج أطفال منصاعين ومذعنين إلى السلطة، وكأنهم لا رأي لهم أو كأنهم قطيع يُقاد بالعصا. ومن جهة أخرى، بيّن الفيلم تعابير الحزن والشفقة التي طغت على وجه أحمد حين كان المعلم يوبخ صديقه، فهنا صورتين متضادتين أراد كيرستامي أن يبينها للمشاهد. أما في المنزل، فهناك دور الأم والجد الذان يمثلان أيضاً صوت السلطة العليا إذ يريد كليهما لأحمد أن يرضخ لأوامرهما وإن بدت غير معقولة بالنسبة لعقلية الطفل الصغير. يرى الجد أن الأطفال يجب أن يعاقبوا بالضرب على الأقل مرة كل أسبوعين، وإن لم يفعلوا شيئاً يستحق الضرب، وذلك لتهذيبهم وتربيتهم على تحمل الألم ليكبروا ويصبحوا رجالاً أقوياء. هذه النظرة التربوية التقليدية سواء من البيت أو المدرسة تقابلها النظرة الطفولية المحبة لأحمد في كل المواقف، فكأن المخرج يريد القول أن الأمل في مستقبل أجمل للبلد يتمثل في هؤلاء الأطفال وهذا الجيل الجديد الذي لا يخاف العقاب من أجل مساعدة الأصدقاء، هؤلاء هم من سيقتحمون دائرة طغيان السلطات العليا ويغيرونها.

فيلم "أين منزل الصديق" من ضمن أعلى 10 أفلام في قائمة "50 فيلم يجب عليك مشاهدته حين تكمل الرابعة عشر من العمر" التي صنفتها معهد الفيلم البريطاني بمساعدة 70 خبيراً سينمائياً، وذلك إلى جانب أفلام عظيمة مثل فيلم "سارق الدراجة" الذي تحدثت عنه في مقالة سابقة، وفيلم "الضربات ال400" لفرانسوا تروفو، وفيلم "ساحر أوز". وهذا يبين مدى أهمية الفيلم تعليمياً وتربوياً للأطفال، بل وحتى للبالغين بنظري.



وصلات خارجية/
http://www.youtube.com/watch?v=k2MGF0beImE
الفيلم كاملاً لمن يود مشاهدته..
__________

نُشر المقال في جريدة الرؤية، صفحة سينما، بتاريخ 3، أكتوبر، 2012