الأحد، 7 ديسمبر 2014

الاثنين، 1 ديسمبر 2014

فيسبوك - "البيت أسود The House Is Black"


شاهدت قبل عدة أسابيع الفيلم الوثائقي القصير "البيت أسود" من إخراج الشاعرة الإيرانية القديرة فروخ فروخزاد.

قبل أن أبدأ بالحديث عن الفيلم أود التنويه على أنه فيلم صعب، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، لذا هو ليس للجميع. (ألست أقول هذا عن كل الأفلام التي أشاهدها؟ عموماً...)

لم هو صعب؟ لأنه يتحدث عن القبح، يستفتح الفيلم بهذه الكلمات: "هذا العالم لا ينقصه القبح. لو أغمضنا أعيننا عنه، لرأينا منه المزيد." ثم يتبين لنا أنه يتحدث عن مستعمرة لمرض الجذام في إيران، ولا يخفى عليكم بكل تأكيد مدى قسوة هذا المرض على من يصيبه إذ أنه يسبب تقرحات وتشوهات جلدية شديدة، تصل في بعض الحالات إلى الإعاقة والعمى. كما أن تاريخ هذا المرض، وخصوصاً في القارة الأوروبية خلال العصور الوسطى، مرتبط بالسجون والعار.

ولكن يوضح لنا الفيلم من البداية أن هدفه هو محو هذه الصورة النمطية والتخفيف عن المصابين بالجذام. يصوّر لنا الفيلم نمط الحياة التي يعيشها هؤلاء المرضى من دراسة ولعب للأطفال إلى رتابة الحياة اليومية من طعام ونوم وغناء إلى مناسبات خاصة كالزواج وأخيراً محاولات وطرق العلاج، معتمداً في سرده على أكثر من طريقة، قصائد تلقيها الشاعرة فروغ فروخزاد وتلاوة من القرآن والعهد القديم (وجمال القصائد والآيات يشكل تناقض صارخ مع صور الفيلم الصعبة والمربكة) وسرد تثقيفي عن المرض.

أجده تحدياً بالنسبة لي أن أصف لكم ما الذي أعجبني تحديداً في الفيلم، وربما أعرفه تماماً ولكن لا أريد ذكره لدواعي عاطفية، ولكنه بصدق مسّني وأثر بي كثيراً وقدم لي صورة جديدة تماماً علي.

تقييمي له 10/10.

وصلة الفيلم على موقع IMDb:
http://www.imdb.com/title/tt0336693/

وصلة الفيلم على YouTube:
https://www.youtube.com/watch?v=5WL4w5ceO7w

وصلة الفيلم على Vimeo:
http://vimeo.com/11482249

_____________

I watched several weeks ago the short documentary film "The House is Black" directed by the great Iranian poet Forough Farrokhzad.

Before I talk about the film I'd like to say a disclaimer: this film is hard to watch, and is not for everybody. Why? Because it talks about ugliness, from the opening scene a man narrates: "there is no shortage of ugliness in this world. If man closed his eyes to it, there would be even more." Then it appears that the film is about a leper colony in Iran. Needless to say how leprosy causes skin disfiguration that may lead in some cases to blindness and physical disability. The history of this disease especially in Medieval Europe was associated with confinement and social stigma.

But the film declares from the beginning that its motive is to wipe out this ugliness - and thus this stigma - and to relieve the victims. The film is very minimal in the sense that it only shows the regular daily lives of the people living in this leper colony; from school and playing for children, to daily habits like eating and singing, to special occasions like marriage traditions, and it also shows the process of treatment. The film's voice-overs divides between Farrokhzad's own poetry, and some verses from the Quran and the Old Testament (which provides a stark contrast between the meaning of these verses and the disturbing images that appear on the screen) as well as some educational excerpts.

I find it difficult for me to say what I liked exactly about this film; perhaps I know it deep inside but I wouldn't want to reveal it. I would only say that it has deeply affected me, and watching it was an unforgettable experience.


الأحد، 9 نوفمبر 2014

حول ابتلاع العالم والقنابل الرمّانية - رواية "أطفال منتصف الليل"


لعل أول ما يتبادر إلى أذهاننا حين نسمع اسم (سلمان رشدي) هو روايته التي سببت جدلاً كبيرًا في العالم العربي والإسلامي «آيات شيطانية» والتي أفتى بسببها آية الله الخميني بجواز قتل سلمان رشدي بسبب ما كتب في الرواية، ولا يزال الجدل قائمًا إلى يومنا هذا رغم مضي ستة وعشرين عامًا منذ صدورها. ولكن الرواية التي حازت على شهرة عالمية وجوائز كثيرة هي روايته «أطفال منتصف الليل» الني نشرت عام 1981م. حصدت الرواية جائزة البوكر لذلك العام، ثم حصدت جائزة أفضل البوكر، أي أفضل كتاب بين جميع الكتب الفائزة بجائزة البوكر منذ بدايتها، في الذكرى الخامسة والعشرين، ثم مرة أخرى في الذكرى الأربعين.

حين بدأت بقراءة الرواية، كنتُ متشككة إلى حد ما في إبداعها ومنزعجة قليلاً من طولها، حيث إني قرأتها لغرض جامعي – وربما سنتفق أننا نستثقل أي قراءة واجبة علينا – ولكن مع تقدم الصفحات والفصول وجدتني منجذبة إليها وأنتهز الفرص لقراءتها حتى أتممتها فتمنيت لو أنها كانت أطول! الرواية مدهشة على جميع الأصعدة في نظري، كقصة وسرد وشخصيات ولغة وعوامل المكان والزمان وصوت الراوي، حتى تفاصيلها الكثيرة والتاريخية التي تمنيت لو أنها أقل، تفهمت ضرورتها مع إنهائي للرواية. في نفس الليلة التي أنهيت فيها الرواية قررت مباشرة أن أشاهد الفيلم المقتبس عنها، إخراج ديبا مهتا وبإشراف وسيناريو سلمان رشدي نفسه. كان الفيلم متعة بصرية مدهشة إذ احتوى على عدد من المشاهد الجميلة مثل مشهد استقلال الهند ومشهد الزفاف، ولكنه مخيب للآمال قليلاً لأنه لم ينقل سحر الرواية وكانت أحداثه سريعة وغير متماسكة كما أن تطور الشخصيات لم يكن واضحًا مثلما وجدتُ في الرواية. كل هذا مفهوم من ناحية لأن الرواية فيها كثير من التفاصيل والأحداث المتشابكة وكأنها لوحة واحدة كبيرة، وهذا صعب نقله إلى فيلم مدته ساعتان ونصف تقريبًا – لا بد أن يضيع شيئًا ما في عملية النقل هذه. أود التركيز في هذا المقال على موضوعين مهمين تناولهم رشدي في «أطفال منتصف الليل»، وهما تصوير الدين، وذاتية الحقيقة.


لا بد أولاً من إعطاء مقدمة بسيطة عن «أطفال منتصف الليل» من غير سرد الكثير من التفاصيل التي قد تفسد إثارة القصة على القارئ الذي يود قراءة الرواية. تتحدث الرواية عن قصة سليم سيناي، الذي ولد في الخامس عشر من أغسطس عام 1947م، أثناء تشابك أيدي الساعة في المنتصف تمامًا، مرحبةً بقدومه مثلما يؤمن هو، أي الساعة الثانية عشرة في منتصف الليل، اللحظة إياها لاستقلال الهند من الاستعمار البريطاني. كانت ولادته وولادة الهند الجديدة – توأمته – متزامنة، وهكذا هي أحداث الرواية: قصة حياته بالتوازي وأحيانًا التطابق مع قصة الهند التاريخية والسياسية. يمتلك سليم موهبة التوارد بالخواطر لأنه ولد في هذا اليوم التاريخي المميز، وكذلك أطفال منتصف الليل، الذين ولدوا ما بين الساعة الثانية عشرة إلى الساعة الواحدة صباحًا وهم 581 طفلا، كل منهم يمتلك قوى خارقة فريدة وكلما كان موعد ولادتهم أقرب إلى منتصف الليل، كانت قواهم أشد وأعظم. شيفا، الذي ولد في نفس لحظة ولادة سليم، يمتلك موهبة الحرب والقوة، في حين أن بارفاتي التي ولدت بعد ثوان معدودة من منتصف الليل تمتلك موهبة السحر. بينما يكتب سليم سيناي قصته، يقرأها على بادما، صديقته التي تعتني به، وهي تمثل صوت القارئ المتشكك والساخر والعاقل، وهي تحاول غالبًا أن تجعله يسرع في سرد الأحداث ولا ينغمس كثيرًا في التفاصيل. في إحدى شكاويها المضحكة – والتي قالتها في الفصول الأولى حيث يسرد سليم قصة عائلته قبل ولادته – تلح عليه: «من الأفضل لك أن تسرع قليلاً، وإلا لمتّ قبل أن تكتب عن ولادتك!» ولكنه يؤكد لاحقًا ويكرر دائمًا أنه «مبتلع حيوات» ولكي نفهمه جيدًا يجب أن نبتلع العالم بأكمله.

الدين في رواية سلمان رشدي محرك أساسي في تسلسل الأحداث، فمنذ الصفحات الأولى نرى كيف أثر قرار آدم عزيز -جد سليم سيناي- على حياته وحياة أولاده وأحفاده من بعده. في إحدى الصباحات الكشميرية الباردة، أصاب آدم عزيز أنفه أثناء السجود في الصلاة، ونزف دمًا تجمد فورًا إلى كرات من الياقوت، ثم بكى وتجمدت دموعه وأصبحت كرات من الألماس. بعد هذه الحادثة قرر الجد ألا يسجد مرة أخرى لرب أو لإنسان، مما كوّن فجوة بحجم قبضة اليد في بطنه جعلته هشًا ومتشككًا طوال حياته. هذه الفجوة انتقلت إلى ابنته ممتاز –أو اسمها بعد الزواج أمينة سيناي– التي ستحمل معها شعورًا بالذنب، ورآها سليم بسبب قدرته على التوارد بالخواطر. هذه الفجوة لاحقت سليم سيناي حتى بعد وفاة جده لأنه الوحيد الذي استطاع أن يراها، وهي موازية في رمزيتها لاعتقاد سليم وإيمانه التام بأنه سوف يموت في عيد ميلاده الحادي والثلاثين في الذكرى الحادية والثلاثين لاستقلال الهند. من الفصول الأولى يعلل سليم رغبته بالكتابة عن حياته بإحساسه بأنه سوف يموت ويطلب من القارئ أن يقبل بأنه في النهاية القريبة سوف يتداعى إلى جسيمات ترابية منسية ولا صوت لها.

من أكثر المشاهد المروعة التي صوّرتها الرواية هو مشهد مقتل شهيد، صديق سليم وجندي باكستاني شاب. حلم شهيد بالشهادة، تحقيقًا لأمنية والده الذي أراد له أن يستحق اسمه. كان يحلم برمانة تحلق خلفه وهي تمثل موته ونيله للشهادة، إلا أنه شهد رمانة من نوع آخر –إذ سقطت قنبلة عليه أثناء الحرب الباكستانية الهندية وفقد رجليه إثر ذلك. حمله سليم إلى مئذنة قريبة، ليواجه حربًا أخرى لأن مجموعة من النمل انتقلت من التهام صرصار إلى افتراس دم شهيد وسط صراخه. همّ سليم إلى مساعدته وضرب مرفقه مفتاح كهربائي شغل مكبر الصوت الخاص بالمئذنة، وبعد ذلك «لن ينسى الناس كيف ارتفعت الصرخات المنددة بعذابات الحرب الفظيعة من المسجد». من خلال هذه الصورة المروعة، عبر سلمان رشدي عن استنكاره للحرب والموت اللامنطقي والعبثي، حيث أن هذه الصرخة كانت حقيقية وليست جوفاء ولامرئية مثل فجوة آدم عزيز، وهي تمثل الرفض القاطع لآلاف الفظائع التي شهدتها الهند وباكستان في تلك الفترة. شهيد الذي حلم بالشهادة كان موته عنيفًا ومأساويًا وكانت شهادته بلا معنى وكأن رشدي يريد عبر إيصال هذه الصرخة عبر المئذنة أن يرينا أن الموت واحد، سواء كان لمسلم أو هندوسي، وأن الكل خاسر في الحرب.

الثيمة الأخرى المتكررة في الرواية هي ذاتية وعدم موثوقية الحقيقة والذاكرة. في فصل «السلم والثعبان» يتحدث سليم عن حبه لهذه اللعبة وهو طفل صغير، وكيف أثرت في تفكيره ونظرته نحو الأمور. لعلنا جميعًا نعرف قواعد اللعبة: السلم يصعد بك إلى الأعلى وهو جيد ويجعلك تفوز، والثعبان يهبط بك إلى الأسفل وهو سيء ويجعلك تخسر. وقد أدرك سليم منذ الصغر أننا كلما صعدنا سلمًا وجدنا ثعبانًا ينتظرنا ليوقعنا. ولكن ما لا توضحه اللعبة هو عدم حتمية ومطلقية هذه العلاقة، إذ قد تكون السلالم ثعابين، وقد تكون الثعابين سلالم في الحياة. يقص علينا سليم كيف وهو صغير أصيب بحمى التيفوئيد وكيف عالجه جارهم الذي يسكن في غرفة في علية منزلهم وهو مختص بدراسة الثعابين عبر إعطائه سما مخففا لثعبان الكوبرا. أدرك سليم من خلال هذه الحادثة «غموض الثعابين»، أي عدم حتمية الشر وتلازمه مع الخير حد التماهي في بعض الأحيان. هذا الصراع ما بين قوتين خارجيتين الذي ما يلبث أن يتحول إلى صراع داخلي بين قوى متشابكة متكرر طوال الرواية ونراه في أوضح صوره عبر العلاقة بين سليم وشيفا، سليم الذي يؤمن بالأفكار والمبادئ وشيفا الذي يؤمن بالمال والقوة.

أخطأ سليم في تواريخ بعض الوقائع التاريخية مرتين، في حدث انتخابي وفي اغتيال غاندي، ولكنه لا يعتذر عن هذه الأخطاء بل يؤكد أنه يسرد قصته منطلقًا من ذاتية حياته وذاكرته. يقول: «الذاكرة لها نوعها الخاص، فهي تختار، وتمسح، وتبدل، وتبالغ، وتقلل، وتمجد، وتذم، ولكنها في النهاية تكون حقيقتها الخاصة، نسختها اللامتجانسة ولكن المتماسكة من الأحداث». في آخر فصل من الكتاب يضع سليم عدة أسئلة تجعل القارئ يتساءل عن صحة الأحداث، بل ويشك في حدوثها، مثل «لم احتاج سليم لحادثة لكي يكسب قواه الخارقة؟»، وأسئلة أخرى لن أضعها لكي لا أفسد على القارئ المفاجئات التي تخبأها الرواية. ولكنه ينهي هذه الفقرة بتأكيده على أن الأمور حدثت هكذا لأنها حدثت هكذا، ولا تفسير آخر غير ذاك. هنا مرة أخرى نرى عدم موثوقية السرد ونتذكر الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، رائد النظرية التفكيكية، الذي يؤكد على لامركزية اللغة وعدم وجود مفاهيم كالذات والحقيقة والوعي لأنها جميعًا مختلقة ومصطنعة، كما أنه يعارض التفكير الثنائي الذي يقسم الأشياء والأفكار إلى متناقضات وبالتالي يؤدي إلى صفها في ترتيب هرمي، جاعلاً أحدها أفضل من الآخر، ويقترح بدلاً من هذا أن «نفكك» اللغة ونبين أن الأشياء في الحقيقة ليست متناقضة بل معنية ببعضها وربما أيضًا متطابقة. يؤكد سليم هذه اللاحتمية ويقول: «الحقيقة مسألة نسبية، لذا بقدر ما تنأى عن الماضي، يبدو لك هذا الماضي محسوسًا ومعقولًا أكثر، وبقدر ما تقترب من الحاضر، يبدو لك أبعد وأبعد عن المعقولية». مثلما ذكرت في بادئ المقال، عندما انتهيت من مشاهدة الفيلم كنت غاضبة لأنه غير دقيق، وغيّر من تسلسل الأحداث، ومسح بعض الأحداث المهمة، وأهمل بعض الشخصيات الرئيسية، إلى أنني وبعد مضي فترة من الزمن، أدركت أن الرواية بأكملها ليست مطلقة، وأن سلمان رشدي لا يريد لنا أن نتقبلها بالضبط كما هي، لأن سليم بنفسه شك في حقيقية بعض الوقائع. ولكن ما يهم في النهاية هو إدراكنا أنها «رغم كل شيء نابعة عن حب»، مثلما يؤكد سليم في نهاية الرواية.

ومرة أخرى، مقالي هذا يتناول موضوعين فحسب من الرواية، وفي الحقيقة هي نظرتي الذاتية والنسبية التي جعلتني أركز على هذين الموضوعين خاصة دون الأخرى. يمكن قراءة الرواية في سياقها التاريخي وتحليل الكثير من أحداثها مثل الانتخابات، والحروب بين الهند والباكستان، واستقلال البنغلاديش، ودور رئيسة الوزراء إنديرا غاندي التي تعتبر محورا أساسيا في الرواية (وفي تاريخ الهند الحديث أيضًا)، كما يمكن قراءة الرواية من منطلق صراع الطبقات الاجتماعية ما بين البرجوازية والبروليتارية والاستعمارية، وأيضًا من زاوية أنها بأكملها ترمز إلى الهند بكافة شخصياتها وعوالمها السحرية والواقعية. لكي نفهم الرواية، كما يبدو لي، يجب أن نبتلع الهند بحدودها الحديثة والقديمة، وهذا حتمًا شيء مدهش وساحر.


————————-

*تُرجمت هذه الرواية إلى اللغة العربية، وأصدرتها دار الجمل بترجمة عبدالكريم ناصيف.


————————-

نُشر المقال في مجلة أكثر من حياة بتاريخ 09 نوفمبر، 2014:

الاثنين، 3 نوفمبر 2014

فيسبوك - "Who's Afraid of Virginia Woolf?"

I thought to myself: 'I wanna watch a light film for tonight, not heavy as most of my films are'. I chose "Who's Afraid of Virginia Woolf?" because genius Wikipedia decided it's black comedy and drama, which I normally love and enjoy.

This turns out to be one of the most devastating films I've watched in a long time. Think Bergman plus a lot of shouting/cursing/drinking. God, this was so uneasy. I'm almost glad it's over because I'm emotionally drained. But now that I'm thinking about it, it is completely powerful and marvelous. Highly recommended but not for the fainthearted.


عن كتاب "معذبوا الأرض" لفرانز فانو


أنهيت قراءة كتاب "معذبوا الأرض" لفرانز فانو والذي يعتبر من أهم ما كتب عن نظريات ما بعد الاستعمار، إلى جانب كتاب "الاستشراق" لإدوارد سعيد.
يعرض الكتاب تحليلاً سيكولوجياً عميقاً للجوانب المختلفة للاستعمار التي تؤثر بشكل مباشر على المستعمَر والمستعمِر. على رغم أني قرأته على عجالة، لأن علي تقديمه في الفصل بعد يومين، إلا أني استمتعت به كثيراً. فصله الأخير، بشكل خاص، كان مؤثراً وقوياً بالنسبة لي. سرد فيه فانو حالات كثيرة شهدها خلال عمله كطبيب نفسي في إحدى مستشفيات الجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسي، من طرفي الصراع: الجزائريين والأوروبيين، ونرى فيه سايكولوجية الضحية والجاني، بمختلف أعمارهم وتوجهاتهم السياسية وتصنيفاتهم المجتمعية.

مثلاً: المراهقين الذين قتلا صديقهم الأوروبي رغم أنه لم يفعل شيئاً لهما، ولكنهما شهدا مآسي الحرب على أهليهما وكان فعلهما ذاك انتقاماً طفولياً محضاً.
أو المحقق البوليسي الأوروبي الذي كان يعذب المقاومون وأدى ذلك إلى إصابته بنوبات غضب وهستيريا أفقدته أعصابه حتى أمام زوجته وأطفاله.
أو الشاب الجزائري الذي لم يرد أن يخوض الحرب وأراد التركيز فقط على دراسته وتخصصه التقني، ولكن نظرات الناس له وتصنيفهم له بأنه خائن جعله يسمع هلوسات لثلاث ساعات متواصلة في الليل، أصوات في رأسه تشتمه وتصفه بالخيانة والجبن، مما قاده إلى حافة الجنون.
أو الفتاة الأوروبية المصابة بالقلق والهوس لأن أباها كان يعذب المقاومون في سرداب منزلهم، وكانت تسمع صرخاتهم دائماً.

هذا الفصل الأخير على وجه خاص كان متعباً ولكنه ضروري لنفهم ضراوة الحرب وأثرها السايكولوجي العميق على طرفي الصراع، ومنه فهمت قول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر واصفاً هذا الكتاب: "يجب أن تتحلى بالشجاعة لكي تقرأ هذا الكتاب."

الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

فيسبوك - "ديرسو أوزالا"


شاهدتُ قبل عدة أيام الفيلم الياباني/السوفييتي "ديرسو أوزالا" للمخرج الياباني القدير أكيرا كوروساوا، ومثلما توقعت، كانت مشاهدة رائعة بحق.
الفيلم مقتبس عن مذكرات المستكشف الروسي فلاديمير آرسينيف، ويحكي عن صداقته بالصياد ديرسو أوزالا من السكان الأصليين لشعب الناناي في روسيا والذي عاش معظم سنين حياته في الأدغال.

هنا ثلاثة أسباب حسبما أرى لجمال هذا الفيلم وأهميته:
١) طبيعة الإنسان الجاهلة تجعله يحكم على كل من يعيش حياته بخلاف السائد بالبدائية وعدم التحضر، وكانت هذه الفكرة المسيطرة على العقلية الاستعمارية البريطانية والفرنسية. هذا الفيلم يرينا كم نحن مخطئون في أحكامنا! هذا الرجل الذي قد يبدو لنا من الوهلة الأولى بدائي وغير متعلم يعلمنا الفلسفة الحقة لاحترام الآخر والطبيعة والحيوانات، وقد أسترسل وأحكي عن الفروقات بين الايديولوجيات المسيطرة علينا من قبل دولنا والعقلية السائدة وتلك اللاممسوسة من قبل المجتمع، وعن العلاقة بين الإنسان والطبيعة، والإنسان والمدينة، وكل ذلك مستوحى من الفيلم، ولكن لن أفعل ذلك أولاً - وهذا هو السبب الأقوى - لأني أريد الاختصار قدر الإمكان، وثانياً لكي لا أفسد عليكم متعة مشاهدة الفيلم :)

٢) الصداقة التي تتشكل بين فردين من بيئتين مختلفتين تماماً جديرة بالتحليل والمناقشة. لا يعتمد الفيلم كثيراً على إثارة عواطف المشاهد مثلما قد نتوقع من فيلم يتحدث عن مشاعر نبيلة كالصداقة أو الحب، فعلاقتهم بسيطة وأحاديثهم قليلة ولكننا كمتابعون للأحداث التي تتطور ببطء نرى أثر هذه الصداقة على كليهما ونستشعر عظمتها عبر لحظات قليلة ولكنها مؤثرة.

٣) السينماتوغرافيا بكل تأكيد! تصوير الطبيعة بجمالها وقسوتها كان الأكثر إبداعاً هنا من بين الكثير من الإفلام التي شاهدتها قبلاً. رغم اختلاف الأساليب، ولكني استحضرت فيلمين مهمين كانا ربما في نفس مستوى هذا الفيلم من ناحية السينماتوغرافيا، وهما "الرسالة التي لم ترسل" لكالاتوزوف، و"آغير غضب الآلهة" لهتزوج. سأضع لاحقاً بعض الصور البديعة التي أخذتها من الفيلم.






السلبية الوحيدة على الفيلم، وربما أقول هذا لأني شاهدته وبي نعاس وحاجة للنوم، هو أني شعرت أنه طويل وبطيء، وتمنيت لو كان أقصر. نهايته، على العموم، بكل تراجيديتها وسخريتها السوداوية على الواقع جعلت ذلك محتملاً ومفهوماً.

تقييمي 9/10
وصلة الفيلم على الـIMDb:
http://www.imdb.com/title/tt0071411/

الأحد، 12 أكتوبر 2014

فيسبوك - "الطلاق على الطريقة الإيطالية"


Wanted to watch a comedy after this heavy and kinda depressing day!

This is satire at its best!

The whole movie I was hating on its main lead; a man in love with his young and beautiful cousin, but is married to an older-uglier wife, and can't divorce her because it was illegal at the time in Italy. However, he comes across a law that supports honor killing by giving the man who commits it a light verdict, and thus tries to lure his rather faithful wife into an adulterous relationship so that he can get rid of her and marry his cousin.


I threw all my feminist rage at him, only to realize by the last half an hour or so that the whole thing is a satire on laws, religion, tradition, and the patriarchal society. So now I am declaring it is genius.

____________

رغبت مشاهدة فيلم كوميدي بعد هذا اليوم الثقيل، واخترت الفيلم الإيطالي "الطلاق، على الطريقة الإيطالية" وقد كان نعم الخيار. هنا كوميديا تهكمية رائعة يا سادة.

طوال الفيلم كنت أصب جم غضبي على شخصيته الرئيسية، رجل واقع في غرام ابنة عمه الشابة والجميلة، ولكنه متزوج من امرأة أكبر سناً وأقبح شكلاً. والمشكلة أنه لا يستطيع طلاقها لأن القوانين في ذلك الوقت - المحكومة بالكنيسة غالباً - منعت الطلاق. ولكنه حين يقرأ قانوناً يدعم جرائم الشرف عبر إعطاء مرتكبها حكماً مخففاً، يسعى إلى إغواء زوجته المخلصة لكي ترتكب علاقة محرمة، وهكذا حتى يتخلص منها ويستطيع الزواج من ابنة عمه.

طوال الفيلم كنت أفكر بعقلي النسوي الغاضب حتى أدركت على آخر نصف ساعة تقريباً أن الفيلم في الحقيقة يتهكم على القوانين والدين والتقاليد والمجتمع الذكوري، ولذا أعلن الآن أن هذا الفيلم عبقري!