الأربعاء، 31 أكتوبر 2018

أخلاق رأسمالية


مقتطفات من كتاب Egypt in the Future Tense: Hope, Frustration, and Ambivalence before and after 2011، للكاتب الانثروبولوجي ساميولي شيلكه، تحديداً من الفصل المعنون "أخلاق رأسمالية؟". 

منذ السبعينات تحول الاقتصاد المصري من اقتصاد مبني على دولة قومية بميول إشتراكية، إلى اقتصاد رأسمالي بمنحى عالمي وإيحاءات دينية. 

إحدى ميزات الرأسمالية التي جعلتها ناجحة وديناميكية حول العالم (بالإضافة إلى بالطبع قدرتها الاستثنائية على توليد وإعادة استثمار الفائض) هو قدرتها المزدوجة على تكوين قيمة محايدة من التكنولوجيا ومن ثم حشوها بمحتوى أخلاقي. وقد روجت الرأسمالية لنظام أخلاقي يمنح الامتياز لقيم يجب اعتبارها سمات أساسية للإنسان الفاضل، مثل الابتكار، والمبادرة، والمسؤولية الفردية، والمتعة، والمنافسة، والنجاح، والحرية؛ ما يجعل من الرأسمالية والصحوة الدينية حلفاء طبيعيين.

يمكننا تتبع صدى التشابه بين الأرباح النقدية للرأسمالية ومنهج تجميع الحسنات للحياة الأخروية في الصحوة الإسلامية.

لنأخذ على وجه المثال الأدعية القصيرة التي انتشرت على الانترنت في مطلع الألفية الثانية والتي تحمل في طياتها وعودا بـ"جبال من الحسنات" لمن يقرأها ويرسلها للناس ويدعوهم لقراءتها. هذه العبادة النفعية التي تسهل نيل الحسنات شائعة جداً؛ تجمع بين الاهتمام بالحسنات والعقاب للحياة الآخروية وبين الاهتمام بالأرباح والنجاح والاستهلاك في الحياة الدنيوية.

تتحدث ليلى، وهي أول من نبهني على هذا التشابه بين الدين والرأسمالية، عن زميلها في العمل الذي يذهب للصلاة في أبعد مسجد - بدلاً عن الصلاة في مقر العمل - لأنه يؤمن أن كل خطوة بحسنة ولذا يريد الزيادة من عدد خطواته لتكثر حسناته، وتقول أنه يعامل الدين مثل معاملته للعمل، فنحن نفكر "كم أنجزت خلال ساعة عمل؟" وهو يفكر: "كم من الحسنات جمعت؟"، إذ تتقلص حياته كلها أمام تجميع الأرباح للحياة الأخروية. إنه يفكر في الدين بطريقة رأسمالية تماماً.

تقدم الرأسمالية أقوى يوتوبيا اجتماعية في عصرنا. فهي تدعي القدرة على توفير الاكتفاء متمثلاً في السلع المادية والخدمات، والمشكلة في هذا الإدعاء لا يكمن فقط في اللامساواة وإنما أيضاً في مراوغته الزمنية، إذ أن هذا الاكتفاء مرتبط بالديون والاستثمار والرغبة المستمرة في التوسع.

هذا القلق والرغبة في النجاح متصل أيضاً بالقلق الديني والرغبة في السعادة الأخروية. ويرى شيلكه أن الخوف من الله ليس فقط خوفاً أخلاقياً ورغبة في التمييز بين الخطأ والصواب بل هو أيضاً خوف عاطفي من النقصان المستمر، وهذه سمة مركزية في الرأسمالية والصحوة الدينية والسلطة النيوليبرالية.

----

بترجمتي، بتصرف.
- منشور فيسبوكي بتاريخ أكتوبر، 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق