الأربعاء، 31 أكتوبر 2018

الشعر المجعد وذكريات الطفولة واعتناق الهوية

منذ صغري، تعلمتُ أن شعري ليس جميلاً وجذاباً لأنه مجعد. كانت أمي تمشطه وتضفره إما بتسريحة جودي آبوت ذات الضفيرتين على جانبي الرأس، أو بضفيرة واحدة في الوسط. كانوا إخواني يمزحون معي بطريقة الإخوان اللئيمة ويسمونني "أشعة الشمس الضارة"، لأن الشعيرات القصيرة المجعدة في مقدمة رأسي كانت ترفض تسريحات أمي ومحاولاتها لفردهم. لم تساعدني حقيقة أن اسمي "الشعثاء"، بمعنى الشعر الأغبر وغير المذّهب، لأني تخيلت أن اسمي يلائمني ويلائم طبيعة شعري. كبرتُ قليلاً وأصبحتُ أملس شعري باستخدام المواد الكيميائية التي تفرد الشعر لشهور عدة - من ثلاث إلى ستة أشهر - لحين ما يطول الشعر ويرجع لطبيعته، ثم أملسه مجدداً. كانت عملية مؤلمة وحارقة ولكنني كنت أسعد بالنتيجة دائماً، لأنها أشعرتني بالجمال المتمثل في الشعر الأسود الأملس الطويل، والقابل للتسريح من غير جهد. ثم لبستُ الحجاب وتوقفت لفترة عن الإهتمام بشعري، باستثناء في المناسبات الإجتماعية الخاصة بالنساء كالأعراس والحفلات البناتية حيث كنت ألجأ إلى الصالونات النسائية لفرد شعري. قررتُ وقتها أني تعبت من العلاج الكيميائي المسمى بالتمليس، وأريد لشعري أن يعود طبيعياً. لم يكن قراراً سياسياً أو تمرداً بقدر ما كان قراراً نابعاً من عدم معرفتي بصالونات تملس الشعر في الكويت - حيث درستُ البكالوريا. كنت ألبسُ الحجاب حتى في السكن البناتي لأني لم أكن أعرف كيف أسرح شعري وكنت أخجل من إظهاره أمام البنات. مررت وقتها بالمرحلة الإنتقالية الكريهة، حيث الجذور مجعدة والأطراف ملساء، إلى أن اكتمل نمو شعري الطبيعي وقصصت الأطراف الملساء. 

لم أفكر أبداً طوال هذه السنين عن التأثيرات الإجتماعية والنفسية والسياسية للشعر المجعد. مع قدومي للولايات المتحدة قبل أربع سنوات ومع قراري بخلع الحجاب، بدأت أفهم قليلاً الآثار المترتبة على هذه الضغوط. فمن جهة، هناك مقاييس الجمال المتأثرة بالمركزية الأوروبية والتي تملي علينا مفاهيم معينة كالطول والضعف والبشرة البيضاء والشعر الأملس والتي نشاهدها طوال حياتنا من خلال الأفلام والأغاني الغربية وتؤثر على نظرتنا لأنفسنا بحيث نطمح إلى "تحسين أشكالنا" من خلال كريمات التبييض - "فير آند لافلي" :) - ومنتجات تمليس الشعر. قرأتُ في أحد الأبحاث* ارتباط شكل الشعر للنساء العبيد في أمريكا بوظيفتهن: المرأة السوداء بالشعر المجعد كانت تعمل في الحقول، في حين أن المرأة السمراء ذات الشعر الأشبه بالشعر الأبيض، الأقل تجعيداً، كانت تعمل كخادمة في المنازل. وبالطبع، لا نزال نرى آثار هذه العنصرية إلى اليوم حيث يُعتبر الشعر المجعد، المضفر، الآفرو غير احترافي في بيئة العمل، ويجب "ترويضه" وجعله أقرب للشعر الأبيض بقدر الإمكان. ومن جهة أخرى، ربما أكثر خطورة بالنسبة لي كإمرأة سمراء بأصول مختلطة عربية وافريقية، هناك النظرة الدونية للعرب المختلطين في عُمان ودول الخليج عموماً. مفهوم "عُماني أصلي"، أو "قحي" بمعنى العُماني الذي ظل في عُمان ولم يهاجر ولم يختلط بأعراق أخرى كان مؤثراً علي كطفلة صغيرة ومراهقة بدأت بالإنفتاح على العالم. كمية "النكات" التي سمعتها والمرتبطة ببشرتي السمراء وشعري المجعد ولهجتي "الزنجبارية"* لا تُحصى. بسبب هذا الأمر، كنتُ أرغب دوماً بالتشبه ب"العُمانيين الأصليين" بدلاً من اعتناق هويتي المختلطة، وربما أيضاً لنفس السبب لم أسعى إلى تعلم اللغة السواحيلية، وأنا نادمة حقاً على ذلك اليوم.

أكتب كل هذا ليس دعوة للنساء باعتناق شعرهن المجعد، وليس رفضاً للنساء اللاتي يخترن تمليس شعرهن، فكلا الخيارين في النهاية أمر شخصي. بل أكتب كل هذا لأنني ذهبت البارحة برفقة صديقتي كيتكي إلى حفلة روك، حيث كان زوجها مطبل الفرقة، وكنتُ سعيدة أيما سعادة بشعري المجعد، المحتضن لوجهي، والكبير، والآفرو، والإفريقي. كنتُ سعيدة بأن شعري مختلف عن 95% من الحضور، وأني أمتلك ميزة تربطني بهويتي وأصولي. كنتُ سعيدة لأني آمنت أخيراً بجمال وجاذبية شعري.


* مقال سينثيا روبينسون في مجلة هاورد لعلوم الإتصال، المعنون "الشعر كمؤشر للعرق: لماذا "الشعر الجيد" قد يكون سيئاً للنساء السود"، عام 2011، مجلد 22، العدد الرابع.

* بالمناسبة، كلمة "زنجباري" للدلالة على العمانيين الذين هاجروا إلى وسط شرق إفريقيا وتزاوجوا مع السكُان الأفارقة المحليين، ثم عادوا إلى عُمان بعد تولي السلطان قابوس الحكم، كلمة غير دقيقة أبداً. فهي توحي أن زنجبار هي الدولة الوحيدة التي هاجر إليها العمانيون، في حين أنهم هاجروا إلى دول مختلفة كبروندي ورواندا وكينيا، ولكن هذا موضوع آخر وربما له حديث مستقبلاَ. موضوع اللهجة أيضاً موضوع شيق ومثير للتحقيق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق