الأربعاء، 31 أكتوبر 2018

نقد السعادة


من أجمل النقاشات التي شاركت فيها مؤخراً كان حول هذا الكتاب البديع الذي قرأناه لمقرر "نصوص ونظريات نسوية".

يأخذ كتاب "وعد السعادة" لسارة أحمد مفهوم السعادة لا ليعرَفه، بل ليفهم كيف يعمل ويؤثر على ايديولوجيات رأسمالية وذكورية. تسأل أحمد في مقدمة الكتاب "لماذا اخترت مفهوم السعادة ولماذا الآن؟" وتجاوب بسرد مجموعة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية نحو السعادة، من قبيل خطابات المساعدة الذاتية التي تعدد طرق تحقيق السعادة في مجال علم النفس الإيجابي والقراءات - الاستشراقية في كثير من الأحيان -  للفلسفات الشرقية مثل البوذية. يُشار إلى السعادة كصناعة وكمنتج، بحيث أصبحت الحكومات حول العالم تباهي بـ"سعادة السكان" حسب المؤشرات الاقتصادية المختلفة واستبيانات قياس السعادة – هل يمكن للمشاعر أن تُقاس؟

في الفصول اللاحقة للكتاب، تحلل أحمد صورة "دخيل العاطفة" – هؤلاء الذين تحدوا الصورة التقليدية للسعادة بوصفها أداة للتسلط الاجتماعي وانتقدوا فكرة أن السعادة هي الهدف الأعظم للحياة. على سبيل المثال، في الفصل الثاني من الكتاب، تأخذ أحمد صورة "ربة المنزل السعيدة" وتحللها عبر قراءات مختلفة لنصوص أدبية مثل رواية فرجينيا وولف "السيدة دالاوي" ورواية "إميل" لجان جاك روسو. تؤكد أحمد أن صورة "ربة المنزل السعيدة" هي صورة خيالية تمحي أثار العمل المضني الذي تقوم به النساء في المنزل وتستبدله بفكرة السعادة. أن نؤكد بأن النساء سعيدات وأن هذه السعادة قادمة من عملهن في المنزل كربات بيوت وكأمهات يبرر وضع العمل المنزلي تحت عاتق النساء فقط، أو مثلما تقول أحمد "يؤكد جندرة أنواع معينة من العمل"، ليس ذلك فحسب، بل هو يؤكد أيضاً أن هذه رغبة وأمنية جماعية لأنه جالب للسعادة. حين تنبه النسويات على مثل هذه الأمور، يوصفن بأنهن غير سعيدات، وبذلك تصبح عدم سعادة النسويات هي المشكلة وليس حالات الظلم والعنف والتسلط. وبالمثل، هناك الصورة النمطية للمرأة السوداء الغاضبة، نراها كثيراً في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، ويصبح الغضب/عدم السعادة محل التركيز بدلاً من الاهتمام للقضايا التي تدعو للغضب مثل قضايا العنف ضد النساء السود أو العنصرية أو انخفاض الأجور بالمقارنة مع الرجل الأبيض.  

في الفصل الرابع، تحلل أحمد صورة المهاجر الميلانخولي أو الكئيب الذي لا ينسى بلاده وأصوله فيصبح حنينه نحو الوطن قاتلاً للسعادة ومضاداً للاندماج مع البلد المهاجر إليه. أما المهاجر السعيد والمثالي فهو المهاجر الذي ينسى بلاده ويمتص ويتشرب عادات وقوانين البلد الجديد. تذكرتُ مع قراءتي لهذا الفصل حملة كوكاكولا في الإمارات العربية المتحدة قبل عدة أعوام، حملة "مرحبا أيتها السعادة". استهدفت الحملة العمّال الآسيويين في دبي، حيث ركّبت أكشاك هواتف في مختلف المناطق السكنية التي يعيش فيها هؤلاء العمال. الفكرة كالتالي: مع كل قنينة كوكاكولا، يستطيع الوافد أن يستخدم الغطاء كعملة نقدية، بحيث يدخلها في الماكينة ويدخل الرقم الذي يرغب بالإتصال به، ويصبح في رصيده ثلاث دقائق للمكالمة. بالطبع، نرى في الإعلان سعادة العمّال ومدى انتشائهم بالحديث مع عائلاتهم. المهاجر السعيد هو الذي ينسى كل ظروف العمل القاهرة مثل مصادرة الجوازات، وأجور منخفضة، وعقود عمل ظالمة، ويفرح باتصال مدته ثلاث دقائق فقط بسعر قنينة كوكاكولا. ينهي الإعلان بشعار - أقل ما أقول عنه أنه سخيف - "السعادة تكمن في كوكاكولا واتصال للوطن"، وسأقول على ضوء ما قرأت في هذا الكتاب: بل يجب علينا الدفع نحو عقود عمل منصفة وظروف عمل آمنة بدلاً من أن نستخدم السعادة كأداة تطبيع للظلم الواقع عليهم. هذا الدفع نحو مفهوم ملتبس ومبهم كالسعادة على حساب العدالة والإنصاف هو بالضبط ما تنتقده أحمد، ولذلك تدعو في نهاية الكتاب إلى "قتل السعادة" لأن ذلك يؤدي إلى "الانفتاح على الحياة، وإفساح المجال لاحتمالات وفرص عدة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق