الاثنين، 3 نوفمبر 2014

عن كتاب "معذبوا الأرض" لفرانز فانو


أنهيت قراءة كتاب "معذبوا الأرض" لفرانز فانو والذي يعتبر من أهم ما كتب عن نظريات ما بعد الاستعمار، إلى جانب كتاب "الاستشراق" لإدوارد سعيد.
يعرض الكتاب تحليلاً سيكولوجياً عميقاً للجوانب المختلفة للاستعمار التي تؤثر بشكل مباشر على المستعمَر والمستعمِر. على رغم أني قرأته على عجالة، لأن علي تقديمه في الفصل بعد يومين، إلا أني استمتعت به كثيراً. فصله الأخير، بشكل خاص، كان مؤثراً وقوياً بالنسبة لي. سرد فيه فانو حالات كثيرة شهدها خلال عمله كطبيب نفسي في إحدى مستشفيات الجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسي، من طرفي الصراع: الجزائريين والأوروبيين، ونرى فيه سايكولوجية الضحية والجاني، بمختلف أعمارهم وتوجهاتهم السياسية وتصنيفاتهم المجتمعية.

مثلاً: المراهقين الذين قتلا صديقهم الأوروبي رغم أنه لم يفعل شيئاً لهما، ولكنهما شهدا مآسي الحرب على أهليهما وكان فعلهما ذاك انتقاماً طفولياً محضاً.
أو المحقق البوليسي الأوروبي الذي كان يعذب المقاومون وأدى ذلك إلى إصابته بنوبات غضب وهستيريا أفقدته أعصابه حتى أمام زوجته وأطفاله.
أو الشاب الجزائري الذي لم يرد أن يخوض الحرب وأراد التركيز فقط على دراسته وتخصصه التقني، ولكن نظرات الناس له وتصنيفهم له بأنه خائن جعله يسمع هلوسات لثلاث ساعات متواصلة في الليل، أصوات في رأسه تشتمه وتصفه بالخيانة والجبن، مما قاده إلى حافة الجنون.
أو الفتاة الأوروبية المصابة بالقلق والهوس لأن أباها كان يعذب المقاومون في سرداب منزلهم، وكانت تسمع صرخاتهم دائماً.

هذا الفصل الأخير على وجه خاص كان متعباً ولكنه ضروري لنفهم ضراوة الحرب وأثرها السايكولوجي العميق على طرفي الصراع، ومنه فهمت قول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر واصفاً هذا الكتاب: "يجب أن تتحلى بالشجاعة لكي تقرأ هذا الكتاب."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق