الأربعاء، 31 أكتوبر 2018

الرومانسية البائسة





شد نظري مقالة مكتوبة باللغة الإنجليزية بعنوان "ابقي عزباء إلى أن تجدي رجلاً بهذه المواصفات"، وأبديت استغرابي من المواصفات العجائبية المذكورة في المقال، إلى حد أني كنت أنتظر قراءة جملة ما توحي بأنه مقال ساخر. ولكن لا، كان مقالاً جاداً جداً. إن كن النساء يؤمن حقاً بتلك المعايير، فالسلام على العلاقات العاطفية الصحية والخالية من الإحباطات المتكررة.

أولاً، المعايير المذكورة في المقال معايير هترو-نورماتيڤ (أو حسب ترجمة ويكيبيديا: معيارية المغايرة) بمعنى أنهم معايير يؤدون إلى تطبيع الأدوار الجندرية بين كلا من الرجل والمرأة، فيصبح دفع الفواتير وإصلاح العطل الكهربائية أفعالاً خاصة بالرجل وحده، ويصبح الطبخ والتنظيف والاهتمام المستمر أدواراً خاصة بالمرأة وحدها. هترو-نورماتيڤ يعني أيضاً حصر العلاقات العاطفية بين الرجل والمرأة فقط، في حين أن العلم الحديث والمجتمعات المتغيرة والأعراف المختلفة أصبحوا يرحبون بمختلف الأنواع من العلاقات. من "النصائح" المذكورة في المقال: "ابقي عزباء إلى أن تجدي الرجل الذي يفتح لك كل الأبواب"، و"ابقي عزباء إلى أن تجدي الرجل الذي يدفع لك الفاتورة ولا يجعلك تمسين محفظتك". في كثير من الأحيان ترحب النساء بمثل هذه المعايير، ولا تقبل لهم بديلاً، وذلك بداعي الرومانسية، ولكني أرى أن مثل هذه المعايير تؤكد على الأدوار التقليدية بين الرجل والمرأة، وهذا بدوره يصبح أكبر عائق لأحلام النساء والرجال الذين يريدون التغيير وكسر القوالب الجاهزة لدورهم في الحياة. ماذا لو فتحت المرأة الباب للرجل؟ وماذا لو كان منصبها الوظيفي يدر مالاً أكثر عنه وبالتالي هي تريد أن تدفع الفاتورة؟ ماذا لو فضّل الرجل البقاء في المنزل وطبخ الطعام؟

ثانياً، هي معايير حالمة جداً ولا تمت للعالم الواقعي بصلة. أن تتوقع المرأة من الرجل أن يترك كل ما في يده لأجل مساعدتها في شيء ما، وأن يرسل لها الزهور دوماً بمناسبة وغير مناسبة، وأن يرد على رسائلها في نفس اللحظة - كل ذلك يعني أن هذه المرأة تتوقع من شريكها هذا أن يكون شريكها فحسب، أي أنه لا يمتلك دوراً في الحياة غير ذلك. بالإضافة إلى كون هذه الأفكار غير واقعية البتة، فهي أيضاً أفكار خطيرة إذ أنها تجعل سقف التوقعات عالية جداً مما يؤدي إلى الإحباطات المتكررة في أي علاقة. لا بأس بقليل من الرومانسية بين كل فترة وأخرى - ولا يجب أن يكون دوماً من طرف الرجل - ولكن لا أحد لديه الوقت أو الطاقة أن يستثمر في شريكه إلى هذا الحد المتكلف.

وهذا بالطبع من غير الخوض في الآثار الأخرى التي تنتج من مثل هذه الأفكار، مثل حب التملك والغيرة الشديدة والإحساس بالنقصان وعدم الأمان طوال الوقت. بحث بسيط وسريع عبر محرك جوجل للصور باستخدام كلمات مثل "رومانسية، حب، هيام" أعطاني هذه الصور الكارثية والمضحكة في آن!

إن كنُت أؤمن بهذه النسخة الحالمة من الرجال، أو كنتُ أنتظر رجلاً كهذا، لعشتُ بقية حياتي في بؤس، وأنا لا أنوي فعل ذلك أبداً.

- منشور فيسبوكي بتاريخ يوليو، 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق