الاثنين، 6 أغسطس 2012

"وداعاً لينين".. كوميديا سوداء عن سقوط جدار برلين


بطاقة الفيلم:
وداعا لينين! (2003)
اللغة: الألمانية
إخراج: ولفغانغ بيكر
بطولة: دانييل برو وكاترين ساس
الترشيحات: رُشّح لجائزة الغولدن غلوب لأفضل فيلم أجنبي، وأيضاً رشح لجائزة البافتا وجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي

لا تزال الجمهورية الديموقراطية الألمانية قائمة في شقة مساحتها 79 متر مربع، وإن سقط جدار برلين!
فيلم "وداعاً لينين" هو فيلم تراجيدي كوميدي يحكي قصة تأثر عائلة من ألمانيا الشرقية بسقوط جدار برلين وتوحد ألمانيا الشرقية والغربية عام 1989، وكيف أدى ذلك إلى تمثيلية كبيرة في شقة تلك العائلة. بعد أن شهدت كريستين كارنر وهي أم لطفلين مشاركة ولدها آليكس في مظاهرة ضد الحكومة الاشتراكية والقبض عليه من قبل عناصر الشرطة، تصيب الأم جلطة قلبية تقع على أثرها في غيبوبة تستمر لتسعة شهور، وحين تستيقظ أخيراً من غيبوبتها، كان كل شيء قد تغير وتوحدت ألمانيا الشرقية والغربية وسقط جدار برلين. خوفاً من تحذير الطبيب بأن الأم يجب أن لا يثيرها أي شيء وأن أي صدمة قد تتسبب في إصابتها بالجلطة مرة أخرى وتموت، يخطط آليكس بالتعاون مع أخته وصديقته وجيرانهم بإعادة كل شيء إلى ما كان، وكأن شيئاً لم يتغير وكأن ألمانيا لا تزال تحت راية الإشتراكية ولا يزال جدار برلين قائماً. وهكذا تبدأ سلسلة كوميدية من الأحداث الممتعة بدءاً من تصوير وتسجيل مقاطع فيديو إخبارية مزيفة وعرضها على التلفزيون وكأنها النشرة الإخبارية المباشرة ومروراً بالبحث في القمامة عن علب وقوارير لا تُباع في المحلات واختفت بعد سقوط جدار برلين، وانتهاءاً بمحاولاتهم اللانهائية في إبعاد كل ما يخص وضع ألمانيا السياسي الجديد عن الأم.
رغم أن الأحداث تقع في قالب كوميدي ممتع إلا أن للحنين والنوستالجيا ظهور طاغ في الفيلم وهذا يتجلى في عدة جوانب، فهو يبدأ بمقدمة موسيقية لطفلين يلعبان ويضحكان في حديقة منزلهم – يتبين لنا فيما بعد أن الطفلين هما آليكس وأخته – ويتميز هذا المشهد بتصويره في قالب كلاسيكي قديم، فالصورة ضبابية بعض الشيء، وموجودة ضمن إطار بشكل مضلع منحني الزوايا. بالإضافة إلى مشهد آخر لآليكس الصغير وهو يشاهد "سيجموند يين"، أول رائد فضاء ألماني، على التلفاز، وشعوره بالفخر والاعتزاز أن "سيجموند يين" من ألمانيا الشرقية. ترسم هذه المقدمة المعالم الأولية للفيلم ونعرف من خلالها أن هذه العائلة تفخر بكونها من ألمانيا الشرقية، وستحن فيما بعد للماضي الجميل وستحاول إعادته إلى ما كان عليه. حتى في خلال بحث آليكس عن نوع معين من المخللات لم يعد يُباع في الأسواق بعد سقوط الجدار، نرى أن المخلل يرمز إلى ألمانيا القديمة، ألمانيا الجميلة في نظرهم. كما أننا لا نغفل دور الموسيقى في إضفاء هذه اللمسة الحنينية للفيلم، فالموسيقى التي ألفها "يان تيرسن" وهو نفس المؤلف للفيلم الفرنسي الشهير "آميلي"، تمتاز باللحن اللطيف والإيقاع البطيء والمتكرر، وهذا أيضاً يخدم فكرة الفيلم ويتماشى بشكل جميل مع الجو العام.
إذا تطرقنا قليلاً إلى الجانب الفكري للفيلم، فهو من وجهة نظري يبعث إلى التفكير في الاستراتيجيات المتبعة في تصوير النشرات الإخبارية وفي سرد التفاصيل الإذاعية، وذلك من خلال بدء آليكس بتصوير مجموعة فيديوهات إخبارية مزيفة للأم. يرى المشاهد ألمانيا من عيون آليكس من خلال هذه التقارير، ألمانيا التي يريدها آليكس وتريدها الأم. فهذه التقارير لم تكن فقط لإقناع الأم أن الأوضاع لم تتغير، بل كانت أيضاً بمثابة التاريخ الذي يصنعه آليكس. وهنا نسأل، كم من الأفكار الاجتماعية والسياسية والدينية التي نتبناها كحقيقة لا مجال للشك فيها، كم من هذه الأفكار هي عبارة عن عدسة صوّرناها في أدمغتنا وصدّقناها وأصبحت تمثل واقعنا وتاريخنا؟ مثل آليكس، نحن قد نصنع التاريخ باستخدام عدسة داخلية تجعلنا نفخر في من نكون، وفي بطولاتنا التي قد تكون غير حقيقة أو غير موجودة.
ختاماً، فيلم "وداعاً لينين" فيلم يستحق المشاهدة، فإلى جانب كونه كوميدي وممتع فهو يضيف أيضاً مادة للتفكير والتأمل ويصوّر بطريقة واقعية مفيدة أحداث سقوط جدار برلين وأثر ذلك النفسي والاجتماعي على عائلة من ألمانيا الشرقية. تبقى نقطة أن اللغة الألمانية قد تكون ثقيلة على مسمع العربي وغير مستساغة ولكننا نستطيع تعدي هذه الإشكالية البسيطة إلى معنى الفيلم العميق وقصته الجميلة.


وصلات خارجية:
http://www.youtube.com/watch?v=-RxkxCj4cpc 
موسيقى الفيلم البديعة..

_______________
نُشر المقال في صفحة سينما، جريدة الرؤية، يوم 15-مايو-2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق