الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

"العروس السورية".. تكشف مأساة أهالي هضبة الجولان



بطاقة الفيلم:
العروس السورية (2004)
اللغة: العربية
إخراج: إيران ريكليس
بطولة: هيام عباس وكلارا خوري

لطالما كانت الفنون باباً مشرعاً على المشاعر الإنسانية النبيلة وترغم المشاهد على إثارة عواطفه بعيداً عن الإيدولوجيات السياسية أو الدينية أو المجتمعية، حيث يكون "الإنسان" وحب "الإنسانية" هو الدافع الرئيسي لإخراج أعمال فنية على مستوى عال وبهدف سام. وإن كانت القضية التي يناقشها العمل الفني قضية تمس المشاهد بشكل شخصي، وتتطرق إلى أحد همومه اليومية، حينها يميل المشاهد إلى شخصنة وتطبيع العمل، وبالتالي فهمه حسب مقتضيات قصته الخاصة، وتفسيره حسب المشاعر التي اعترته خلال مشاهدة هذا العمل.
يتحدث فيلم "العروس السورية" عن امراءة درزية اسمها منى، تؤدي دورها الممثلة كلارا خوري، من قرية مجدل شمس في هضبة الجولان، في يوم زفافها من ممثل دمشقي شهير. يوم زفافها، هو آخر يوم ترى فيها عائلتها. لأنها ستغادر هضبة الجولان إلى دمشق، ومن يغادر هضبة الجولان الواقعة تحت الإحتلال الإسرائيلي، لا يستطيع دخوله مجدداً. رغم القالب السياسي البحث للفيلم، إلا أنه يجبر المشاهد على التفكير فيه من ناحية إنسانية من غير الخوض في تفاصيل اللعبة السياسية الملعوبة من قبل الأطراف المختلفة سواء اتفقنا معها أم اختلفنا. وهذه هي المهمة الأساسية السامية للفنون المختلفة، إذ أنها تمحو الاختلافات وتجعلنا نركز على نقاط التشابه وعلى "الإنسان" قبل العرق، والدين، والقبيلة، والجنس.
تدور أحداث الفيلم على مدى يوم واحد، وفيه يستكشف المشاهد قصة عائلة بكل تفاصيلها المؤلمة والمضحكة معاً. فكل شخصية لها قصتها المعقدة وصراعها الخاص، سواء كان صراعاً مع السلطة، أو مع المجتمع، أو مع الدين، فمنى التي ستلتقي بزوجها لأول مرة متوجسة من هذا الزواج إذ أنه سيحول دون دخولها لهضبة الجولان مرة أخرى، وأختها آمال والتي تؤدي دورها بإتقان الممثلة الفلسطينية القديرة هيام عباس، هي أم لابنتين وخارجة عن عادات وتقاليد القرية إذ لها طموحاتها وأحلامها في تكملة دراستها، ويمنعها زوجها من ذلك حتى يكون هو دائماً صاحب السلطة الأعلى في المنزل. في حين أن أخاهم حاتم متزوج من امراءة روسية ولم يرى عائلته منذ 8 سنوات لأنه خرج أيضاً من عادات القرية، ويقرر الرجوع لحضور زفاف أخته منى وسط استنكار رجال الدين وتوّعدهم بعدم حضور الزفاف إن رأوا حاتم. كل هذه الشخصيات المجتمعة تمثل الحبكة الأساسية للفيلم، والملفت للنظر، أن الشخصية الرئيسية، العروس السورية منى، هي أقلهم تحدثاً وأكثرهم انطواءاً. فكأن المشاهد يفهم قصة منى عبر أختها آمال وأخويها حاتم ومروان، وأباها حمد.
إن تحدثنا من الجانب التاريخي والديني، فقد تم احتلال ثلثين من مساحة هضبة الجولان بعد حرب الأيام الستة عام 1967 من قبل اسرائيل، ويعيش مواطنوها تحت وطأة الهوية المزدوجة والأعراف الدينية المختلفة، فغالبية سكّان الجزء الخاضع للسلطة الإسرائيلية هم من الدروز والعلويين العرب واليهود. ويتجلى هذا في الفيلم في الصراعات الدينية مع الشيوخ الدروز من ناحية ومع السكان اليهود من ناحية أخرى. رغماً عن آرائنا المسبقة في الديانة الدرزية واليهودية وفي الاحتلال الاسرائيلي والموقف السوري من ذلك، ورغم أن المخرج اسرائيلي الجنسية، إلا أن الفيلم استطاع برأيي أن يمحي كل هذه الفروقات وهذه الآراء المسبقة ويجعلنا نتعاطف مع العروس السورية وعائلتها وقصتها، ونتسائل، كم من العائلات تشتت بسبب هذه الحروب السياسية؟ وهل نظرتنا الأحادية في أغلب الأحيان كافية لفهم واستشعار ما تعانيه جميع الأطراف؟

_________________
نُشر المقال في صفحة سينما، جريدة الرؤية، يوم 22-مايو-2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق