الأحد، 12 أغسطس 2012

"برسونا"... الصمت بديلاً عن الإنتحار


بطاقة الفيلم:
برسونا (1966)
اللغة: السويدية
إخراج: إنجمار برجمان
بطولة: بيبي آندرسون وليف أولمان
الجوائز والترشيحات: جائزة أوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 1966

"لقد قلت في وقت ما أن "برسونا" قد أنقذ حياتي، بلا أدنى مبالغة. كنتُ سأتلاشى إن لم تكن لدي الشجاعة الكافية لعمل هذا الفيلم. نقطة هامة أخرى أود ذكرها: وهي أني وللمرة الأولى لم أهتم كثيراً فيما إذا كان الفيلم سيحقق أرباحاً عالية أم لا" – إنجمار برجمان، المخرج.
يعتبر المخرج السويدي القدير إنجمار برجمان من أبرز صنّاع السينما حول العالم، بل قال عنه وودي آلان أنه "على الأغلب، أعظم فنان سينمائي منذ اختراع الكاميرا المتحركة" وقد تأثر برجمان بالعديد من كبار المخرجين حول العالم، أذكر منهم المخرج الإيطالي الشهير فيديريكو فيليني، والمخرج الياباني أكيرا كوروساوا، وأثّر هو بدوره على العديد من المخرجين المعروفين اليوم من أمثال فرانسيس فورد كوبولا (مخرج السلسلة الشهيرة العرّاب)، وستانلي كوبريك، ومارتين سكورسيزي. تمتاز أفلام برجمان بالتمحور حول ثيمات مثل المرض، والموت، والإيمان، والجنون.
أما فيلم "برسونا" فهو حتماً يجمع بين جميع هذه الثيمات الأربعة. كتب برجمان فيلم "برسونا" في خلال 9 أسابيع، خلال فترة علاجه من مرض الالتهاب الرئوي، ويقول عنه أنه أقرب أفلامه إلى قلبه. كان يود تسمية الفيلم في البدء "البعض من علم التصوير السينمائي" وذلك نظراً لاحتواء الفيلم على عدد من التكنيكات المهمة في صناعة السينما، ولكونه يستخدم أيضاً أقل عدد ممكن من الممثلين والأدوات. يبدأ الفيلم بمقدمة موسيقية حادّة مع عرض عدد من المشاهد السريعة والمتقطعة والمزعجة أيضاً، بغير أي رابط بينهم، ثم عرض أطول بعض الشيء لفتى يافع يستيقظ من نومه في غرفة بيضاء تماماً ثم يرى على الجدار ما يبدو وكأنه إسقاط لصورة مقربة لوجه امرأتين، هن بطلات الفيلم. هذه المقدمة البصرية تخدم فكرة من أفكار الفيلم، وكأنها تذكر المشاهد أنه يرى فيلم، لا حقيقة.
يتحدث الفيلم عن ممثلة مسرح إليزابيث فولجر، تؤدي دورها الممثلة ليف أولمان، فقدت قدرتها على الكلام فجأة ووسط مسرحية كانت تمثلها أمام الجمهور وتقوم بالعناية بها الممرضة آلما، والتي تؤدي دورها الممثلة بيبي آندرسون. للفيلم خمسة ممثلين فقط، ولكن أدوار ثلاثة منهم لا تتعدى الدقيقة - أي أن الفيلم بأكمله قائم على تمثيل شخصيتين رئيسيتين، إحداهن لا تستطيع الكلام! لكم أن تتخيلوا حجم الثرثرة التي تقوم بها الممرضة آلما مع تعابير وابتسامات ونظرات ممثلة المسرح إليزابيث.
لفيلم "برسونا" جانبين من وجهة نظري، جانب فلسفي عميق، وجانب شاعري بصري جمالي. لا يستطيع المشاهد أن يخرج من الفيلم إلا وقد تشرّب بمجموعة من الأفكار والهواجس والأسئلة اللامتناهية، فإلى جانب السؤال الرئيسي "لماذا توقفت إليزابيت عن الكلام فجأة من غير أي أثر لمرض عضوي؟" وتداعيات هذا السؤال وجذبه لأسئلة مختلفة عن الصمت ودوافع الصمت، هناك أسئلة سايكولوجية عميقة أخرى عن الحياة، والموت، والحب، والاختيار، والسؤال الوجودي الأزلي: "من نكون؟" تظهر في الفيلم لمدة قصيرة جداً الدكتورة التي ولّت أمر رعاية إليزابيث للمرضة آلما، وتقول: "أتفهم صمتها، ذلك الحلم اليائس عن أن تكوني، لا أن تمثلي، أن تكوني أنتِ. وذلك البعد والاختلاف بين من تكونين في حضرة الآخرين، ومن تكونين في حضرة نفسك، فكل انثناءة وكل ايماءة تبدو وكأنها كذبة، وكل ابتسامة تبدو وكأنها تكشيرة. الانتحار كوسيلة هروب؟ كلا، فالانتحار مبتذل وبذيء. ولكن بإمكانك أن ترفضي التحرك، أن ترفضي الكلام.. لكي لا تضطري إلى الكذب" مع مثل هذا الكلام الشاعري، يبدو الفيلم وكأنه قصيدة مناجاة فردية طويلة تتداخل فيها عدة عناصر وتتشابك عدة قصص. فرغم أن القصيدة على لسان الممرضة آلما، المتحدثة الرئيسية في الفيلم، إلا أن أنغام هذه القصيدة تربط الممرضة بالممثلة، ونعرف من خلالها قصة الممثلة وأسباب صمتها.

______________
نُشر المقال في صفحة سينما، جريدة الرؤية، يوم 29-مايو-2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق