الأحد، 23 فبراير 2014

في سبيل غسيل الروح


بدأنا منذ سنة مجموعة حوارية صغيرة، كان معظم أفرادها من العائلة، إذ كانت تحت قيادة أخي وبمشاركتي وإخوتي وأقربائي. نجتمع كل أسبوعين بعد الاتفاق على موضوع الحوار بالتصويت، وكل مرة يدير الحوار شخص مختلف. وبسبب الاهتمامات والتخصصات المتعددة، نناقش في كل مرة مواضيع مختلفة تتراوح في العادة ما بين العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع والنفس والفنون، والعلوم النظرية كالفضاء والطب، ونطرح في بعض الأحيان مواضيع جدلية وفكرية لنستمع إلى وجهات النظر المختلفة. صادف السبت الماضي، بتاريخ 22 فبراير 2014، الذكرى السنوية الأولى لمجموعتنا، ولذا يجيء هذا المقال كنوع من الامتنان والتقدير ولأجل التعريف أيضاً.

ناقشنا في ذلك الاجتماع تأثير الفن ومدى فعاليته في إحداث عملية التغيير في المجتمعات عبر التاريخ، وقد كان اجتماعاً مثرياً بحق إذ عرض الكثير من النماذج الجميلة. فبين من شكك بفعاليتها وفرق بين الفنون النافعة وغير النافعة، وبين من أيدها وقال أنها المحرك الرئيسي نحو التغيير، وفي النهاية احتفظ كلٌ منا بوجهة نظره ولكنه تقبل في نفس الوقت وجهة النظر المغايرة.

من بين القصص التي تم سردها هي قصة المغني الجامايكي بوب مارلي الذي أقام حفلة في 22 أبريل عام 1978 في العاصمة الجامايكية كينغستون، وقد تمت تسمية الحفلة بحفلة الحب الواحد والسلام وكان هدفها إطفاء نار الحرب بين حزبين متعارضين. كان المسرح مقسماً إلى ثلاثة أقسام وهي الوحدة، والحب، والسلام، وقد شددت الحكومة الجامايكية وقتها على الأمن والسلامة خوفاً من حدوث أي اضطراب. كانت تلك الفترة حرجة سياسياً في جامايكا بحيث شكل الحزبان عصابات للقتال في الشوارع محدثة بذلك فوضى وحرباً أهلية. كان بوب مارلي يرتجل وهو يغني منادياً للسلام والوحدة، ففي أحد الأغاني بدأ يقول: "هلا تقدم السيد مايكل مانلي والسيد إدوارد سيجا إلى المسرح؟ تعالوا هنا، أنا أريد أن نتصافح فحسب وأن نري الناس أننا سنتحد." وفعل ذلك وسط هتافات الجمهور بالسلام، تصافح كلا الحزبين في إشارة إلى رغبة صادقة بإيقاف الفوضى.

كما أنني شاركت بدوري عن قصة "رقصة زالونغو"، ففي ديسمبر 1803، استولى العثمانيون بقيادة علي باشا على منطقة سولي في اليونان. معظم سكان المنطقة هربوا بعد هزيمتهم إلى مناطق أخرى، ما عدا مجموعة من النساء وأطفالهن لم يستطعن الهرب لأنهم حوصروا وهم في جبل زالونغو من قبل القوات العثمانية. قررت النساء ألا يقبلن العبودية، فبدأن برمي أطفالهن من على حافة الجبل ثم رمي أنفسهن وهن يغنين ويرقصن. يُقدر عدد النساء اللاتي شاركن في رقصة الموت هذه بـ63 إمرأة. ثم تساءلت بعدها عن جدوى الرقص والغناء في مثل هذه المواقف على وجه التحديد، فهما ركيزة أساسية في بعض الثقافات الشرقية والافريقية والتي تستعين بهما في مناسبات الأفراح والأحزان. لذا يجيء الفن كأسلوب تعبيري في بعض الثقافات وتكمن أهميته المعنوية في العزاء ومشاركة المآسي والشعور بالترابط والاتحاد.

وفي مقابل مشاركة القصص الواقعية التي حدثت في العالم، شارك البعض منا بقصص شخصية حدثت لهم. فمثلاً حكى أحدنا أنه حضر يوماً محاضرة دينية لأحد شيوخ الدين، وكان الشيخ يتحدث عن حرمة فن النحت مورداً الأسباب الشرعية، وذلك مفهوم ومقبول طالما أنه لا يتعدى كونه رأي، ولكنه بدأ بفرض ذلك على الحاضرين بقوله أنه يجب عليهم أن يمنعوا أولادهم من ممارسة هذا الفن وأن يدمروا أي منحوتة موجودة في منازلهم. وهذا دفع صديقنا إلى العودة إلى منزله، أخذ قطعة الصلصال، ونحت صورة الشيخ نفسه! فعل ذلك كتعبير عن غضبه ورفضه، وكتنفيس للكربة أيضاً. إن لم يفعل، لربما حمل غضبه معه إلى مماته حسب قوله. وفي حدث آخر، كان أحدنا يمشي في أحد شوارع مدينة تشيانج ماي في تايلند حين سمع صوت طبول آتية من بعد. تبع الصوت رغبة في معرفة المصدر، إلى أن وصل إلى مكان الموسيقى. فوجئ بفرقة كل أعضاءها من بلدان مختلفة حول العالم، وكل فرد منهم لديه طبلته الخاصة به والآتية من ثقافته وبلده. لا يتحدثون لغة واحدة مشتركة، ولكن جمعتهم الموسيقى.

هذا وبالإضافة إلى العديد من الأفكار المطروحة والقصص المختلفة عن التقسيم الموسيقي الجغرافي للسنغال والبرازيل، وحول بيتهوفن وعلاقته بنابليون، وفان جوخ، وشاعرية القرآن والوحي. قالها بيكاسو وصدق: "الفن يغسل الروح من غبار الحياة اليومية"، أليس غسيل الروح من ضروريات الحياة؟

___________________
نُشر المقال في جريدة الرؤية بتاريخ 24 فبراير، 2014: 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق