الأحد، 6 أبريل 2014

الحق في الحلم ولو انكسر


شاهدتُ قبل حوالي أكثر من أسبوع فيديو عبر اليوتيوب للكاتب الأوروغواني إدواردو غاليانو بعنوان "الحق في الحلم"، حيث تم تصوير هذا الفيديو قبل عام ٢٠٠٠ وفيه يسرد العالَم المثالي الذي يريد أن يعيش فيه في الألفية الجديدة. يقول في مقدمة الفيديو: "الحق في الحلم لم يكن من ضمن قائمة حقوق الإنسان التي أعلنتها الأمم المتحدة عام ١٩٤٨. لذا لنحلم بعض الوقت.. لنحلم" ثم بدأ بوصف العالم الذي يريد أن يعيش فيه؛ عالم مثالي كجنة ولكن بكل أسف ما يحدث في عالمنا اليوم عكس ما وصفه تماماً. هذا المقال ردي البسيط على كلمات ادواردو غاليانو العبقرية.

ما كسرنا سوى أحلامنا المثالية جداً يا غاليانو. حلمنا وحلمنا وحاولنا تطبيق هذا الحلم على أرض الواقع، أخرجنا هذا الحلم البريء والنقي من قلوبنا إلى العالم، وما إن بدأ يحبو خطواته الأولى وانطلق إلى الشوارع إلى أن دهسته السيارات وداست عليه أرجل المارة رافضة إياه لعدم منطقيته. تمنيتَ أن الكلاب تدهس السيارات في الشوارع بدلاً من حدوث العكس، ولكن آسف على القول أن حتى الأحصنة والقطط والأبقار والمواشي لم تسلم من وحشية الإنسان سواء بالتعذيب المباشر لمجرد المتعة أو بالتعذيب غير المباشر لغرض صناعة الطعام! لم يعد التلفزيون أكثر أعضاء العائلة أهمية مثلما تمنيت يا غاليانو ولكن تم استبداله بالهواتف الذكية التي تعطي وهم التواصل وما هذا التواصل سوى تجارة في أعين تجّار الوهم. ونحن جميعاً مشاركون في هذه المأساة فما إن يأخذ أحد منا فترة راحة من وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن يأتيه العتاب واللوم والاستغراب من الناس حوله، إذ لا طريقة للتواصل في هذا العصر سوى عبر الألياف البصرية! لا تزال الناس تعيش لتعمل بدلاً من أن تعمل لتعيش، حيث أصبح العمل عبودية القرن الحادي والعشرين، وأصبحت الناس آلات مبرمجة للذهاب يومياً إلى العمل مكررة ما تفعله برتابة وبغير تجديد. ومن يحاول الابتعاد عن هذا التقليد يلاقي السخرية والاستهزاء من المتعبين أنفسهم الذين يعانون من الرتابة. أي تناقض هذا يا غاليانو؟

أصبحت الناس في البلدان المنكوبة تشارك طوعاً في الحروب الأهلية، وهل نستطيع لومهم حقاً؟ أصبحت الحرب الحالة الطبيعية للبلد بدلاً من أن تكون حالة مؤقتة وشاذة. اللاجئون والمنفيون والمواطنون كلهم سواء، كل يعاني من غربته بطريقة أو بأخرى. أما أمنيتك لأولاد الشارع ألا يعاملوا كقمامة لأنه لن يكون هناك أولاد شوارع، فيؤسفني إبلاغك يا غاليانو أنهم لا يزالون يبيعون أحلام طفولتهم المتمثلة في الفوشار والحلوى عند إشارات المرور ومحطات البترول، وفي بلاد أخرى ليست بعيدة كثيراً عن بلادنا هم يجمعون القمامة ويبيعون منه ما قد يصلح للاستعمال. أنت ترى أن العدالة والحرية توأمتان سياميتان مجبرتان على الانفصال وتتمنى أنهما ستجتمعان مجدداً كتفاً على كتف. أما أنا فلا ألمحهما أبداً ولا أعرف أينهما وفي أي نواحي الأرض يسكنان. أو ربما هما أبداً متنقلتان إذ لا يوجدان بشكل مطلق في أي مكان، وفي هذا العالم الواسع، كم فرصة التقائهما يا غاليانو؟ لا أظنها عالية أبداً.

تمنيت أن تحكم امرأة سوداء البرازيل والولايات المتحدة، وإمرأة هندية غواتيمالا والبيرو. في هذا الجزء من العالم يا صديقي العبقري، لا يزال الناس يناقشون أحقية النساء في الإمساك بالحكم أو تولي منصب الإمارة أو القضاء ويتحججون بنقص عقولهن وضعف منطقهن وقوة عاطفتهن. أود أن أسألك وعموم الناس سؤالا صادقًا؛ ما الذي قد ينقذ البشرية سوى العاطفة الإنسانية والرحمة والحب؟ ذكرت بأنه يجب على الكنيسة أن تصدر وصية أخرى إضافة إلى الوصايا العشر وهذه الوصية هي "أحب الطبيعة التي أنت جزء منها". من فرط حب الناس للطبيعة في هذا الزمان أصبحوا يستعملونها كسلعة تسويقية لمنتوجاتهم الاستهلاكية فيعرضون صوراً لأبقار تتغذى من حشيش سويسرا الساحرة، في حين أن أبقارهم محبوسة في مصانع ضخمة! كانت أمنيتك، كأمنية كل الحالمين بوطن مثالي، هو المواطنة العالمية من غير اعتبار للجغرافيا أو الحدود أو الزمن. لنقل اختصاراً أن الحدود كثرت وحالت بيننا وبين المواطنة العالمية، فلم تتضمن ما ذكرت فحسب بل أصبحت تتضمن القبيلة والجنس والطبقة بل وحتى الوظيفة والمرتب المالي.

أتساءل بعد كل هذا، أمن فائدة من الحلم إذا كان بعيد المنال كأحلامنا؟ أو الأفضل ألا نحلم وألا نتوقع شيئاً من هذا العالم المجنون ونعمل حسب طموحاتنا الشخصية بغير اعتبار للعالم؟ لربما كل هذا يدعو للاستسلام والقعود واليأس، ولكننا هنا سواء شئنا ذلك أم أبينا، لنحلم إذاً، ولنعمل نحو تحقيق هذا الحلم ولو انكسر مرات عدة سنظل نلتقط فتاته من الشارع ونجمعه مجدداً ونغني له تهويدة لعله يهدأ ولا يرتاع، لعله يقوم.

_________________________
نُشر المقال في جريدة الرؤية بتاريخ 07 أبريل، 2014:

ترجمة الفيديو إلى العربية:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق