شاهدتُ قبل عدة أسابيع الفيلم الأمريكي "سنسيت بوليفار" للمخرج بيلي وايلدر، وأعتبره من أجمل الأفلام الهوليوودية الكلاسيكية التي شاهدتها.
ينتمي الفيلم إلى جانرا فيلم نوار والذي ازدهر في هوليوود في فترة الأربعينيات والخمسينيات ويتميز بالحبكة الجرائمية عادة ووجود نموذجي الرجل المحقق والمرأة الجذابة والمدمرة (فيم فاتال)، كما لها خواص محددة في الإضاءة والإنتاج والبنية القصصية.
يبدأ الفيلم بصورة تحتية لرجل ميت في حوض سباحة، مصورة من قاع الحوض، ويحكي لنا الراوي/الميت جو غيليس عن الأحداث التي أدت إلى وفاته بهذه الطريقة!
(بالإمكان مشاهدة افتتاحية الفيلم هنا: https://www.youtube.com/watch?v=HduXGYkoc_w )
وبذلك يعود الفيلم إلى الوراء باستعمال تقنية الفلاش باك ونرى جو غيليس قبل ستة أشهر وهو يعمل ككاتب سيناريو مغمور في هوليوود، ومدان ومطارد من قبل دائنيه الذين هددوه بأخذ سيارته. في إحدى سلسلة المطاردات، يدخل غيليس في محاولة للهرب إلى باحة قصر بدا له لأول وهلة أنه غير مأهول، ولكن يستقبله الخادم ماكس والذي ظن أنه شخص آخر كان يتوقعه ويقوم بتقديمه لسيدة المنزل، نورما ديسموند. يتبين لغيليس أن نورما هي إحدى نجمات هوليوود خلال فترة الأفلام الصامتة. حالما تعلم أنه كاتب سيناريو، تقوم نورما بإجباره على قراءة نص كتبته في محاولة منها للعودة للشاشة الذهبية بعد غياب طويل. يرى غيليس أن هذه قد تكون فرصته لكسب المال وحل مشكلة ديونه فيوافق على مراجعة النص، ولكنه يقع تدريجياً في شباك معقدة من حياة النجمة التي خفت نورها وبهت ولكنها لا تزال تؤمن بحتمية عودتها للشاشة والشهرة وكثرة معجبيها.
يقدم لنا الفيلم صورة ساخرة وتهكمية عن الحياة الهوليوودية وأثرها على الممثلين والمخرجين والعاملين بها، إذ أن نورما ديسموند مفتونة بصورتها في السابق، ولا تشاهد إلا أفلامها هي، وقصرها مليء بصورها، وحين تلوح لها فرصة العودة للشاشة - أو تتوهم هي بذلك - تقوم بمجموعة من عمليات التجميل في محاولة يائسة للعودة إلى ما كانت عليه.
لا يصور لنا الفيلم نوستالجيا الفنانة إلى الزمن القديم والصامت فحسب، بل هو أيضاً يقدم لنا ثلة من المبتكرين والمبدعين خلال فترة الأفلام الصامتة - مشكلاً بذلك معاني مزدوجة من ناحية التمثيل والحقيقة. فعلى سبيل المثال، الممثلة التي أدت دور نورما ديسموند، غلوريا سوانسون، كانت حقاً نجمة خلال فترة الأفلام الصامتة، وشكّل هذا الفيلم عودتها للشاشة بعد غياب طويل، كما أنها تسعى في الفيلم إلى أن تعمل مجدداً مع المخرج الذي عملت معه في السابق سيسل ديميل (والذي أدى دوره سيسل ديميل بنفسه)، وهذا أيضاَ كان مخرجاً مهماً في فترة الأفلام الصامتة وأخرج العديد من الأفلام بتمثيل غلوريا سوانسون. كما أن الذي أدى دور الخادم ماكس، إريك فون شتروهايم، كان مخرجاً مهماً في فترة الأفلام الصامتة. في إحدى الجلسات التي تقيمها نورما ديسموند في قصرها مع زملائها وأصدقائها، نرى ظهور قصير للممثل والمخرج الشهير بستر كيتون إلى جانب عدد من الممثلين المشاهير أيضاً خلال فترة الأفلام الصامتة. كل ذلك أضاف إلى أصالة وإبداع الفيلم وجعل من تجربة مشاهدته متعة فائقة، بالإضافة طبعاً إلى الكوميديا الساخرة والتي تفوقت على العديد من الأفلام التي شاهدتها. دراما وكوميديا رائعة وأنصح بها للجميع.
تقييمي للفيلم: 9/10
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق