الثلاثاء، 19 مارس 2013

"دعاء الكروان"


بطاقة الفيلم:
دعاء الكروان (1959)
اللغة: العربية
إخراج: هنري بركات
بطولة: فاتن حمامة، وأحمد مظهر، وزهرة العلا
الجوائز والترشيحات: رشح لجائزة أحسن فيلم في مهرجان وبرلين، ووصل إلى التصفية النهائية ضمن أفضل خمسة أفلام أجنبية لجوائز الأوسكار، كما استحق عدة جوائز محلية.

"وهذا صوتك أيها الطائر العزيز يحمله إليّ الهواء من بعيد فيبلغني ضئيلا ً، ولكنه على ذلك يشيع في سكون الليل كما يشيع الضوء في الجو.وهذا صوتك أيها الطائر العزيز يدنو مني شيئا ً قشيئا ً فيملؤني أمنا ً ودعة وهدوءا ً وحزنا ً معا.. إنه يردني إلى اليقظة الخالصة التي تشعر بنفسها وتفكر في نفسها وتذكر ما مضى على علم به وتقدير ٍ له.. وتستقبل ُ ما سيأتي في رويّة وبصيرة واستعداد للاحتمال" - طه حسين، رواية "دعاء الكروان"

ما بين ما مضى وما سيأتي الكثير، وما بين ماض بسيط وحياة غير متكلفة، ومستقبل مبهم وغامض ومشؤوم، يأتي فيلم "دعاء الكروان" ليجسد قصة ملحمية في الحب والكراهية، والشد والجذب، وتناقضات المشاعر المتشابكة. فيلمنا المقتبس عن رواية بنفس الاسم للأديب المصري الكبير طه حسين يعد من أشهر الأفلام المصرية الكلاسيكية، وقد لاقى نجاحاً باهراً منذ إخراجه سنة 1959 وإلى يومنا هذا لا يزال يستقطب المعجبين من كافة الدول العربية. الفيلم من إخراج هنري بركات وتمثيل سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة التي أدت دور "آمنة"، وزهرة العلا التي مثلت دور أخت آمنة "هنادي"، وأحمد مظهر الذي أدى دور المهندس. يرى معظم النقاد أن هذه الثنائية بين بركات وفاتن حمامة هي الأكثر نضجاً للإثنين – حيث كان إبداع الإخراج لبركات في أجمل مظاهره، وجمال التمثيل لفاتن حمامة وقدرتها على تجسيد شخصية معقدة للغاية من الناحية النفسية في أقوى تجلياته.

تتحدث قصة الفيلم عن فتاة ريفية بسيطة تخطط للانتقام من شاب مهندس كان السبب في غواية أختها التي كانت تعمل عنده كخادمة ووقوعها في حبه مما أدى إلى قتلها على يد خالها في قضية شرف. تعاهد آمنة نفسها في القرية ومع صوت غناء الكروان أنها ستنتقم لأختها من ذلك المهندس الذي يبدو أنه فعل بها مثلما فعل مع الكثير غيرها – إذ أنها كانت مجرد رقم يُضاف إلى قائمة طويلة من الفتيات اللاتي تم إغوائهن. تعتزم على أن تعمل لدى المهندس الأعزب هي الأخرى كخادمة بنية قتله، وهكذا تتطور مجريات القصة إلى أن تصل إلى النهاية المأساوية، مع تداخل عدة عناصر وعدة قصص أخرى قصيرة – مثل قصة خديجة ابنة المأمور، وقصة زنوبة الرقاصة – مع القصة الرئيسية.

ما أبهرني في قصة الفيلم إلى جانب عناصر أخرى هو تطور الشخصية الرئيسية والتغيرات التي طرأت عليها والتي أدت إلى نضوج شخصيتها وتعقيدها في آن واحد. فآمنة التي كانت في البدء فتاة تميل إلى السذاجة والبساطة والحياء الشديد تغيرت مع تطور الأحداث لتصبح آمنة القوية التي رسمت مستقبلها واختارت مصيرها بنفسها. في بادئ الفيلم، كانت آمنة تعمل كخادمة لدى المأمور، آمنة التي عاشت قبل ذلك في بيت بسيط في بادية مصر وتحمل جرة الماء وتذهب إلى النهر وتعجن مع أختها وأمها، أصبحت تعمل في منزل بحديقة غناء لدى ابنة المأمور المدللة خديجة التي تتعلم الفرنسية وتعزف البيانو. في إحدى مشاهد الفيلم اللطيفة، تنبهر آمنة من البيانو الذي لم ترى مثله من قبل، فتصفه لأختها هنادي بأنها "ماكينة اسمها البيانة، سودا ولها صوابع بيضا، أول ما الست (تقصد بها خديجة) تلمسها، تقولي ساكنها جان وتسمعي كراونات الدنيا كلها"، هذا الربط بين غناء الكروان وعذوبة صوت البيانو من أرق ما سمعت في الربط ما بين الموسيقى والطبيعة، وما الموسيقى إلا امتثال لأوامر الطبيعة! أما في مشهد آخر، بعد تطور شخصية آمنة ونضوجها، تقول للمهندس: "الصياد عمره ما افتكر في الطير اللي وقع، كل همّه في الطير الجديد.. دايماً العصفور هو اللي غلطان والصياد ما عليهش لوم" يتضح من هذين المشهدين تغير صورة العصفور من كائن بسيط يغني ويحب الحياة إلى ضحية للصياد – لكأن آمنة تمثل عصفور الكروان في حالتيه، فرحه وحزنه، غناءه وشجيه.

وصفت رواية "دعاء الكروان" لطه حسين بأنها رواية شعرية لكثرة الإطناب والإسهاب فيها وكثرة حديث ومناجاة النفس، وأرى أن الفيلم أيضاً ممكن وصفه بالشاعرية، وذلك لكمية المشاعر التي تولدها في المشاهد حين يتفاعل مع شخصيات الفيلم المغزول بمشاعر الحب والكره والانتقام والتوبة والشرف والخداع وغيرها من المشاعر المتناقضة. ليس ذلك فحسب، بل وحتى أسلوب التصوير والإضاءة والتمثيل خدموا جميعاً شاعرية الفيلم فلكأنه قصيدة ملحمية طويلة من قصائد نساء البادية والصحراء.
__________________

رابط الفيلم  كاملاً على اليوتيوب: http://www.youtube.com/watch?v=Rf02Nzpa0KQ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق