الأحد، 12 يناير 2014

اخدمن غرابتكن




"من المتوقع من كل إمرأة أن تحظى بـ: عيون قوقازية زرقاء، شفاه اسبانية ممتلئة، أنف كلاسيكي رشيق، بشرة آسيوية بلا شعر وملفحة بشمس كاليفورنيا، أرجل سويدية طويلة، أقدام يابانية صغيرة، وركي صبي في التاسعة من عمره، ذراع ميشيل أوباما، وأثداء دمية. لهذا تعاني النساء." – تينا في، ممثلة وكوميدية أمريكية.

دعوني أضيف رغبة في تحوير الإقتباس أعلاه –والذي لم أدرجه كاملاً لأسباب تتعلق بالرقابة الذاتية– ليناسب مجتمعاتنا: ضحكة رقيقة، عطسة خافتة، لا تركض، تطبخ باحترافية، الصمت في حضرة الرجال، ربة بيت إمتيازية، تغني بصوت ناعم ولكن لا تستمع إلى الأغاني، تعمل في سلك التدريس أو ممرضة في أقسام النساء.

تحكي الكاتبة النيجيرية تشيماماندا آديتشي، صاحبة رواية "نصف شمس صفراء"، في حديث لها عبر "تيد" عن حادثة حدثت لها وهي في الإبتدائية. تقول أن المعلمة أخبرتهم أن من يحصل على أعلى درجة في الإمتحان سيصبح مراقب الصف، وكان مراقب الصف في نظرها آنذاك شيئاً مهماً للغاية، فهو يستطيع كتابة أسماء الطلبة المشاغبين، وذلك بحد ذاته سلطة رائعة! كما أن المعلمة ستعطي مراقب الصف عصا ليمشي بها ويتحكم بزملائه، ثم تستدرك وتقول "بالطبع لن يُسمح لمراقب الصف باستعمال العصا"، ولكنه كان شيئاً مثيراً بالنسبة لآديتشي صاحبة التاسعة من عمرها. وبالطبع، حصلت على النتيجة الأعلى في الإمتحان، ولكن ويا لدهشتها فقد قررت المعلمة أن مراقب الصف يجب أن يكون صبياً لا فتاة. ولذا تم إعطاء لقب مراقب الصف إلى الصبي الذي حصل على ثاني أعلى درجة في الإمتحان. المثير في الموضوع أيضاً، حسب آديتشي، أن الصبي كان لطيفاً ووديعاً، ولم يبد أي رغبة بأن يكون مراقب الصف، في حين أنها كانت تحلم بأن تمنح هذه السلطة.

كم من القصص المتشابهة تحدث لدينا كل يوم؟ كم من فتاة صغيرة محبطة لأنها أرادت سعادة بسيطة وتافهة متمثلة في شيء يفعله الرجال ولكن يمنعها العيب؟ اعتبار أن الرجل هو المعيل والمرأة هي المربية، وأن كلا منهما يجب أن يحمل صفات معينة ومؤطرة حسب نظرة مجتمعهم، وأن هناك أعمال معينة تناسب النساء ولا تناسب الرجال والعكس، وإن خرجت المرأة لمزاولة أعمال الرجال فذلك فيه من ضياع الشرف والمروءة والحشمة، وإعتبار أن كل ذلك من مسلّمات المجتمع ولا نقاش فيه، فذلك يؤدي إلى إشكاليات عدة. تخيلوا مثلاً رجلا ولد بحس فني عال، مهتم منذ صغره بالفنون الجميلة والرسم التشكيلي، وعندما كبر رأى أن اهتمامه ذاك يمكن أن ينصب في الموضة، وذلك شيء رائع ففي الموضة يجتمع حبه للأزياء وحبه للرسم. سيقابل في مجتماعتنا بمزيج من السخرية والغضب وسيسمع تعليقات كثيرة من قبيل "صلبي عمرش" و"يالله إنتيه" وغيرهما. ستنكسر أحلامه وتقتل اهتماماته وسيدرس الهندسة ويصبح مهندس نفط كئيب يعمل خلف مكتب ومحاط بأوراق لا يرسم فيها وملفات بألوان أحادية. أو تخيلوا مثلاً أن بطل العالم في قيادة سيارات السباق لديه ابنة ورثت صفة حب السيارات من أبيها وأرادت السير في خطاه. ستتدرب كثيراً وتصبح بارعة ولكن حين تود المشاركة في أول سباق لها، سيقولون لها "قيادة سيارات السباق للرجال، احتفظي بها كهواية فقط وكوني فخورة بأبيكِ وتعلمي شيئا آخر. شيء آخر ينفعك ويدعم دورك الأنثوي في هذه الحياة." ولكنها ستبحث كثيراً، ستجرب التربية والتمريض والطبخ، وربما لن تجد هذا الشيء الآخر أبداً، وستعمل كمعلمة رياضة في مدرسة للأطفال ولن يحبها الأطفال لأنها محبطة ومتشائمة ولا تؤمن بالأحلام.

التاريخ مليء بنماذج لمجتمعات متفردة في تركيبتها المجتمعية، فمملكة داهومي، على سبيل المثال، كانت من أقوى الممالك في قارة إفريقيا من القرن السابع عشر إلى بدايات القرن العشرين، فقد كان إقتصادها منظماً وتجارتها رابحة ولها نظام ضرائب مميز، كما أن وحداتها العسكرية كانت أنثوية بالكامل. بدأ ذلك حين استعملوا النساء في المعارك لإيهام العدو أن عددهم كبير، ولكن النساء أبدين قوة وشجاعة لا مثيل لها حتى قرر الملك أن يجعلهن جنوداً وهكذا أصبح جيش مملكة داهومي مكوناً بالكامل من النساء. أما شعب مينانغكاباو المسلم والذي يعيش في جزيرة سومطرة في إندونيسيا فهو أيضاً يعتمد بشكل كبير على النساء. تقول قوانين القبيلة أن الإبنة ترث جميع ممتلكات أمها، وأن الأم هي أهم فرد في مجتمعهم. ويحق للنساء عزل زعيم القبيلة إن رأين أنه لا يؤدي دوره على الوجه المطلوب.

لستُ أدعو بكل تأكيد إلى المساواة التامة بين الرجل والمرأة، فأنا أدرك أن هناك فوارق بيولوجية حددها العلم، ولكني أدعو إلى تقبل واحتضان المختلف واللاسائد. نحن نتداول الإقتباسات حول أهمية أن نكون أنفسنا، أن لا نصبح نسخاً مكررة من الآخرين، نعجب بهذه الإقتباسات ونشاركها في مواقع التواصل الإجتماعي، ولكن ما إن نرى المختلف حتى نستنكره ونستهزأ به وربما نغضب. وإن كنا نحن المختلفين، فنحن نتعلم إخراس رغباتنا الخارجة عن الأطر الإجتماعية المعروفة، خوفاً من نظرة المجتمع، حتى يصبح التظاهر بالإنسجام سيدنا والأقنعة ملاذنا، حتى نتحول شيئاً فشيئا إلى خرزة صغيرة لا دور لها إطلاقاً وسيان وجودها من عدمه بين مئات الخرزات الأخرى في فستان سهرة.
___________________

نُشر المقال في جريدة الرؤية بتاريخ 13 يناير، 2014:

http://alroya.info/ar/citizen-gournalist/visions/84648--

هناك تعليقان (2):

  1. لستُ أدعو بكل تأكيد إلى المساواة التامة بين الرجل والمرأة، فأنا أدرك أن هناك فوارق بيولوجية حددها العلم، ولكني أدعو إلى تقبل واحتضان المختلف (كلام مظبوط وهو ده المطلوب فعلا ) موضوع مميز
    الزواج

    ردحذف
  2. فعلا الجملة الاخيرة دي مميزة جدا
    احذية وشنط
    ملابس بيت

    ردحذف