الثلاثاء ١٠ ديسمبر، ٢٠١٣
وصلتُ صباح اليوم إلى دبي، هذه المدينة التي تسحرنا في كل مرة، وكأنها تنتمي إلى المستقبل. أو ربما نحن إلى الماضي. كانت السعادة تغمرني، فسأقضي أيامي المقبلة بين الأفلام العالمية وكتب الآيباد الإلكترونية - لا أتفق بالمناسبة مع البعض حين لا يرى الجمال إلا في الكتاب الورقي التقليدي، فلا أظن أن هناك أجمل من قدرتك على حمل عشرون كتاباً معك في كل مكان! لا أطمح إلى غير ذلك؛ كتب وأفلام وعزلة روحية وفكرية مؤقتة.
كان الصباح بمثابة الماراثون، فقد كان علي أن أستلم تذاكري للأفلام التي اشتريتها مقدماً عبر الانترنت، واستلام بطاقتي الصحفية من مهرجان دبي السينمائي الدولي، وتسجيل قدومي في الفندق الذي نزلت فيه، ثم حضوري لعرض أول فيلم من المهرجان الساعة الثانية عشر ظهراً.
اخترتُ مشاهدة فيلم "البشع" للمخرج الفرنسي إريك بودلير، فقد قرأتُ نبذة قصيرة عنه في موقع المهرجان ولفتتني جملة "يلتقيان ويتسائلان فيما لو كانوا قد التقيا من قبل." وفكرت "يبدو ذلك مثيراً، فيلم عن الذاكرة، إذاً لنشاهده!". لم أكن أعلم أني سأدخل نفسي في متاهة التجريبية، وكم كانت المتاهة موجعة وجميلة في آن. الفيلم إنتاج فرنسي ولبناني وياباني - ربما هذا بحد ذاته يعد عاملاً مشوقاً - والحوار أيضاً من عدة لغات؛ العربية واليابانية والفرنسية والإنجليزية. نقرأ الترجمة تارة ثم لا نحتاجها بعد دقيقة. كانت البداية غامضة، صور من حارات بيروت الضيقة والفقيرة ورجل يسرد باليابانية عن بيروت الباكية. كان يصر على كونها باكية حتى في لحظات صمتها، ثم يسخر من مبالغته ويستدرك قائلاً "المدن لا تبكي بكل تأكيد، ولكن هذا هو إنطباعي عنها." عرفتُ في نهاية الفيلم وأثناء الجلسة النقاشية مع المخرج والممثلة الرئيسية أن هذا الرجل هو المخرج الياباني القدير ماساو آداتشي وسرده هذا هو في الأصل تسجيل لأجزاء من حواره مع المخرج إريك بودلير. يدمج الفيلم بين الطابع الوثائقي والروائي للأفلام، فهذا السرد على سبيل المثال هو وثائقي أكثر مما هو روائي، كما أن الممثلين في بعض المشاهد يتحدثون عن كونهم ممثلين في هذا الفيلم، أي أنهم لا يلعبون دور الممثل طوال الوقت. لهذا الغموض والغرائبية، بعض الحضور من الجمهور لم يستطيعوا الصبر وإكمال الفيلم الذي بدا وكأنه بلا حبكة فخرجوا من القاعة. بالنسبة لي، كنت مندهشة طوال مقدمة الفيلم لشاعرية السرد وجمالية الصورة، لم أهتم كثيراً بفهم ما يحدث ووضعه ضمن إطار زمني محدد وحبكة درامية واضحة. ذكرني النصف الأول من الفيلم بفيلم آخر أعتبره من روائع ما شاهدت وهو فيلم "هيروشيما محبوبتي" للمخرج الفرنسي آلان رينيه. مثل "هيروشيما محبوبتي" احتوى الفيلم على شخصيتين رئيسيتين، رجل وامرأة في علاقة حب، يتحدثون كثيراً عن الذاكرة، والنسيان، والحرب، والإرهاب، والهوية، والوطن. حتى أني تخيلت أن الممثلة الرئيسية في "البشع" جولييت ناڤيس ستقول في أي لحظة: "اسمي بيروت" مثلما قال الممثل الرئيسي في "هيروشيما محبوبتي": "اسمي هيروشيما". حين ذكرتُ ذلك في نهاية الفيلم أثناء الجلسة النقاشية صرح المخرج أن فيلم آلان رينيه مؤثر كبير، حتى أنه أثناء تصوير الفيلم كان يُخبر الممثلين بأن يرتجلوا بطريقة مشابهة لفيلم آلان رينيه.
صور متفرقة من نواحي بيروت، وعلاقة حب تجمعها الذاكرة والوطن، وجدلية الثورة بتناقضاتها المختلفة، هذه بعض عوامل الفيلم التجريبي "البشع"، والذي كان لي حظ متابعته ضمن جدول مهرجان دبي السينمائي.
*كان من المفترض أن أكتب يوميات المهرجان طوال فترة وجودي هناك، ولكني ما كتبت سوى هذه المقالة الفقيرة، إنه الكسل يا سادة!
ماهو جمال البلد كان واخدك يالا عقبالنا لما نروح احنا كمان
ردحذفموضة
دبى مدينة رائعة هى باريس العرب
ردحذفالصداقة