شاهدتُ الفيلم الألماني "تورليس الشاب" للمخرج فولكر شلوندورف صاحب الفيلم الشهير "طبل الصفيح" المقتبس عن رواية غونتر غراس.
يعتبر فيلم "تورليس الشاب" أول فيلم ينتمي لحركة السينما الألمانية الجديدة التي أصبحت في السبعينيات والثمانينات من أهم الحركات السينمائية في العالم، ومن أهم مخرجيها راينر فرنر فاسبيندر وفيرنر هتزوج وفيم فندرز. بداية الحركة كانت عام ١٩٦٢ في مهرجان للأفلام في غرب ألمانيا حيث نادى ٢٦ مخرجاً وناقداً لسينما ألمانية جديدة مختلفة عن "أفلام الأنقاض" التي انتشرت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية والتي صورتها في حالة دمار ومختلفة أيضاً عن السينما الترفيهية التي كانت موجهة للجماهير بهدف نسيان الهزيمة. هؤلاء المخرجون الشباب الذين لم يعاصروا كل ويلات الحرب بل جزء منها ورأوا أن ألمانيا تأثرت بالإمبريالية الأمريكية خصوصاً بعد نهضتها الإقتصادية شعروا بشيء من الغربة السايكولوجية والثقافية وحاولوا لذلك تصوير هذه الغربة في أفلامهم.
أخذاً في الاعتبار هذا التاريخ المهم لفهم أفلام السينما الألمانية الجديدة، يمكن القول أن فيلم "تورليس الشاب" يعتبر استعارة لحالة ألمانيا قبل الحرب. يتحدث الفيلم عن شاب اسمه تورليس في مدرسة داخلية في بدايات القرن العشرين حيث يصادق شابين آخرين. يتميز تورليس بفكر متقد وفلسفة فريدة تجعله مختلفاً ومنعزلاً عن زملائه حيث يفضل التفكير في مسببات الأمور عن المشاركة الفعلية ويشعر بالإشمئزاز من كل ما يجده الآخرون طبيعياً - مثلما كتب في مذكراته. يكتشف زميله أن زميل آخر لهم، اسمه بازيني، سرق منه مبلغاً من المال فيهدده إما أن يخبر مدير المدرسة الصارم والذي سيطرده أو أن ينفذ كل أوامره وطلباته. بالطبع، يفضل بازيني ألا يخبروا مدير المدرسة فيقع ضحية لساديتهم وقسوتهم حيث يعذبونه ويذلونه نفسياً وجسدياً وجنسياً. يبرر زميل تورليس هذه القسوة ويقول: "لكي تتسامى عن هذا العالم، يجب عليك أن تقتل كل ما يجعلك عبداً له. المشاعر على سبيل المثال. سأشعر بالشفقة حتماً حين أعذب بازيني ولكن ذلك غير ملائم لأن بازيني إنسان غير مهم ومن يفعل مثل فعلته لا قيمة له. إذاً الشفقة في هذه الحالة هو شعور غير منطقي، وأنا أنوي قتل كل هذه المشاعر المفرطة بي". تورليس، والذي يشهد تعذيب بازيني من غير مشاركة أو تنديد، مهتم أكثر بالأسباب التي أدت بازيني إلى قبول هذا الذل والأسباب التي جعلت زملائه يستلذوا بالتعذيب. يستخلص تورليس من هذه الحادثة أن ما يبدو صادماً وسادياً وغير منطقي من بعيد يحدث هكذا بكل بساطة وطبيعية وأن الإنسان يجب أن يكون حذراً وعلى يقظة دائمة لكي لا يصبح ضحية للقسوة أو مشاركاً بها.
هذا الفيلم الذي يصور لنا حالة ألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى يؤكد أنه لا يمكن الهروب من الماضي، وأن هؤلاء الشباب هم مستقبل ألمانيا، فمنهم المثقف والفيلسوف الصامت الذي يرى الويلات من حوله ويبني نظرياته عليها من غير مشاركة فعلية، ومنهم السادي الذي يريد قتل المشاعرغيرالضرورية فيه، ومنهم أيضاً المهان الذي يفضل قبول الذل عن المقاومة.
أنصح حتماً بمشاهدته. تقييمي ٩/١٠.
وصلة الفيلم على الـ IMDb:
http://www.imdb.com/title/tt0060574/
يعتبر فيلم "تورليس الشاب" أول فيلم ينتمي لحركة السينما الألمانية الجديدة التي أصبحت في السبعينيات والثمانينات من أهم الحركات السينمائية في العالم، ومن أهم مخرجيها راينر فرنر فاسبيندر وفيرنر هتزوج وفيم فندرز. بداية الحركة كانت عام ١٩٦٢ في مهرجان للأفلام في غرب ألمانيا حيث نادى ٢٦ مخرجاً وناقداً لسينما ألمانية جديدة مختلفة عن "أفلام الأنقاض" التي انتشرت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية والتي صورتها في حالة دمار ومختلفة أيضاً عن السينما الترفيهية التي كانت موجهة للجماهير بهدف نسيان الهزيمة. هؤلاء المخرجون الشباب الذين لم يعاصروا كل ويلات الحرب بل جزء منها ورأوا أن ألمانيا تأثرت بالإمبريالية الأمريكية خصوصاً بعد نهضتها الإقتصادية شعروا بشيء من الغربة السايكولوجية والثقافية وحاولوا لذلك تصوير هذه الغربة في أفلامهم.
أخذاً في الاعتبار هذا التاريخ المهم لفهم أفلام السينما الألمانية الجديدة، يمكن القول أن فيلم "تورليس الشاب" يعتبر استعارة لحالة ألمانيا قبل الحرب. يتحدث الفيلم عن شاب اسمه تورليس في مدرسة داخلية في بدايات القرن العشرين حيث يصادق شابين آخرين. يتميز تورليس بفكر متقد وفلسفة فريدة تجعله مختلفاً ومنعزلاً عن زملائه حيث يفضل التفكير في مسببات الأمور عن المشاركة الفعلية ويشعر بالإشمئزاز من كل ما يجده الآخرون طبيعياً - مثلما كتب في مذكراته. يكتشف زميله أن زميل آخر لهم، اسمه بازيني، سرق منه مبلغاً من المال فيهدده إما أن يخبر مدير المدرسة الصارم والذي سيطرده أو أن ينفذ كل أوامره وطلباته. بالطبع، يفضل بازيني ألا يخبروا مدير المدرسة فيقع ضحية لساديتهم وقسوتهم حيث يعذبونه ويذلونه نفسياً وجسدياً وجنسياً. يبرر زميل تورليس هذه القسوة ويقول: "لكي تتسامى عن هذا العالم، يجب عليك أن تقتل كل ما يجعلك عبداً له. المشاعر على سبيل المثال. سأشعر بالشفقة حتماً حين أعذب بازيني ولكن ذلك غير ملائم لأن بازيني إنسان غير مهم ومن يفعل مثل فعلته لا قيمة له. إذاً الشفقة في هذه الحالة هو شعور غير منطقي، وأنا أنوي قتل كل هذه المشاعر المفرطة بي". تورليس، والذي يشهد تعذيب بازيني من غير مشاركة أو تنديد، مهتم أكثر بالأسباب التي أدت بازيني إلى قبول هذا الذل والأسباب التي جعلت زملائه يستلذوا بالتعذيب. يستخلص تورليس من هذه الحادثة أن ما يبدو صادماً وسادياً وغير منطقي من بعيد يحدث هكذا بكل بساطة وطبيعية وأن الإنسان يجب أن يكون حذراً وعلى يقظة دائمة لكي لا يصبح ضحية للقسوة أو مشاركاً بها.
هذا الفيلم الذي يصور لنا حالة ألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى يؤكد أنه لا يمكن الهروب من الماضي، وأن هؤلاء الشباب هم مستقبل ألمانيا، فمنهم المثقف والفيلسوف الصامت الذي يرى الويلات من حوله ويبني نظرياته عليها من غير مشاركة فعلية، ومنهم السادي الذي يريد قتل المشاعرغيرالضرورية فيه، ومنهم أيضاً المهان الذي يفضل قبول الذل عن المقاومة.
Young Törless (1966) by Volker Schlöndorff
وصلة الفيلم على الـ IMDb:
http://www.imdb.com/title/tt0060574/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق